الايام والاسابيع القليلة المقبلة مرشحة لان تشهد حراكا خارجيا ناشطا، يتصل بالازمة اللبنانية على وقع التسوية الكبرى التي تتبلور ملامحها في المنطقة، لا سيما بعد توقيع الاتفاق السعودي – الايراني برعاية الصين.
ومنذ توقيع الاتفاق المذكور وقبله، اخذت تبرز تطورات مهمة على صعيد فتح صفحة جديدة في العلاقات العربية- العربية، لا سيما السورية – العربية والعربية – الايرانية، وكذلك على صعيد المباشرة في معالجة الازمة السورية- التركية، على اساس الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها على كامل اراضيها .
ولعلّ من ابرز ما سجل ويسجل في هذا الاطار:
١- تسارع الخطوات المتعلقة بتنفيذ البنود المعلنة وغير المعلنة للاتفاق السعودي- الايراني، اكان على صعيد الانفراج في العلاقة بين البلدين، ام على صعيد معالجة الملفات الاساسية والحساسة، التي ادت الى تازم العلاقات بينهما منذ فترة طويلة. وتندرج في هذا الاطار اعادة فتح سفارتي البلدين وتنشيط القنوات الديبلوماسية، والزيارات المتبادلة بين المسؤولين السعوديين والايرانيين، والتي ينتظر ان تتوج بزيارة الرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي، التي يجري الحديث عنها للمملكة، بناء لرغبة ودعوة العاهل السعودي وولي عهده، والتي لا يستبعد ان تجري قبل القمة العربية المقرر عقدها في السعودية في ١٩ الجاري. كما ان الملف اليمني وضع على النار لتثبيت اتفاق وقف النار والهدنة، تمهيدا لوقف الحرب وحل الازمة اليمنية. واذا كان الاتفاق السعودي – الايراني لم يتطرق في نصه الى الازمتين اللبنانية والسورية، الا ان مفاعيله ستتناول حتما هذين الملفين.
٢- التقدم الكبير الذي تحقق ويتحقق على صعيد اعادة الانفتاح بين سوريا والدول العربية، لا سيما الخليجية منها، وعلى وجه الخصوص مع السعودية. ومما لا شك فيه ان الاجتماع الذي عقد منذ يومين في الاردن على مستوى وزراء الخارجية في حضور وزير الخارجية السوري، شكل نقلة نوعية في مسار فتح صفحة جديدة في العلاقة مع سوريا عشية القمة العربية.
٣- استئناف الحراك المتعلق بحل الازمة السورية، على قاعدة الاعتراف بالنظام السوري ووحدة سوريا وسيادتها على كامل اراضيها. وتندرج في هذا الاطار الاجتماعات التي بدأت بين ممثلين عن سوريا وروسيا وايران وتركيا. ويترافق مع هذا المسار مسار آخر يتعلق بحضور وتوجه عربي جديد للمشاركة والمساعدة المباشرة في حل الازمة السورية، انطلاقا من العناصر المذكورة.
٤ – توسع دائرة الاهتمام الخارجي في التعاطي مع الازمة اللبنانية، ليس على صعيد السعي لانجاز الاستحقاق الرئاسي فحسب، بل ايضا على صعيد وضع خريطة طريق لتسوية متكاملة من اجل اخراج لبنان من ازمته.
فالى جانب التحرك الفرنسي الناشط والمستمر، يبرز اليوم ايضا دخول السعودية المباشر على خط الاهتمام بحل الازمة اللبنانية، بعد ان كانت المملكة في السابق تنتهج سياسة تحييد نفسها عنها.
كذلك يبرز عنصر آخر لافت يتعلق بتحرك الصين المستجد باتجاه المنطقة ومنها لبنان، بعد رعايتها للاتفاق السعودي الايراني، والذي تجسد مؤخرا بزيارة الموفد الحكومي المسؤول عن ادارة الشرق الاوسط للبنان، وما نقله للمسؤولين اللبنانيين من رغبة بكين في المساعدة في معالجة الازمة اللبنانية، لافتا الى ان الصين كانت ترغب في القيام بهذا الدور منذ ثلاث سنوات، لكن جائحة كورونا ساهمت مساهمة اساسية في تأخرها.
ووفقا لمصادر ديبلوماسية، فان هناك رغبة دولية جدية في انتخاب رئيس للجمهورية في اقرب وقت ممكن. وقد عكست المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا هذه الرغبة خلال لقاءاتها الاخيرة مع المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، وابدت رغبتها امام رئيس لجنة الشؤون الخارجية النيابية النائب فادي علامة في ان يحصل الاستحقاق الرئاسي قبل تموز المقبل، موعد تقديم تقريرها عن لبنان الى الامانة العامة للامم المتحدة ومجلس الامن.
ولفتت الى ان انتخاب رئيس الجمهورية قبل تقديم هذا التقرير، سيعزز الثقة الدولية بلبنان ويساهم في تعاطي افعل لمساعدته من اجل الخروج من ازمته. وتجنبت ابداء رأيها في المواقف اللبنانية المتعلقة بهذا الاستحقاق او الاسماء المرشحة للرئاسة، لكنها اكدت على مسؤولية الجميع في العمل لانتخاب الرئيس في اسرع وقت.
ولفت ايضا سؤالها عن المواقف التي ادلى بها مؤخرا سليمان فرنجية في احدى المقابلات التلفزيونية، دون ان تعلق عليها سلبا او ايجابا.
وفي ظل هذا المشهد الخارجي المتصل بالوضع اللبناني عموما والاستحقاق الرئاسي خصوصا، تتفاوت المواقف والتوقعات حول مصيره. ويقول مصدر نيابي بارز ان الوضع ما زال على حاله، وان بعض التحركات الداخلية، هي مجرد محاولات فردية لملء الوقت، ولا يعول على نجاحه في احداث خرق جدي في جدار الجمود السائد. ويلفت الى ان لا تغيير في مواقف الاطراف المسيحية الاساسية حتى الآن، لكنه لم يستبعد ان تحصل متغيرات في مواقف بعضها او احد هذه الاطراف، اذا نضجت تسوية خارجية متكاملة للازمة اللبنانية ومنها الازمة الرئاسية.
و يرى المصدر ان هناك معارضة مسيحية قوية لانتخاب سليمان فرنجية، وان كلا الطرفين الاساسيين «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» يرفضان وصوله الى بعبدا، لكنهما يختلفان على البديل. ويضيف ان المعطيات الداخلية حتى الآن لا تؤشر الى ضمان وصول فرنجية الى الرئاسة، الا اذا فرضت تسوية خارجية واقعا ضاغطا ومؤثرا لمصلحته.