انطلاق “معركة الخلافة” في عائشة بكار!

المتاعب الصحية لمفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان طرحت «نظرية» تنحّيه عن منصبه قبل انقضاء ولايته في نيسان 2025. التأكيدات بأنّ المفتي باقٍ في منصبه لم تمنع من فتح معركة خلافته مبكراً.

مع تدهور الوضع الصحي لمفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، بدأ التداول في الغرف المغلقة حول إمكانية تنحّيه قبل بلوغه سن الـ 72 في نيسان 2025. بعد تكليف دريان رئيس المحكمة الشرعية السنية العليا الشيخ محمد عساف بأداء صلاة عيد الفطر المنصرم واعتذاره عن عدم استقبال المهنّئين، اعتبر كثيرون الخطوة تمهيداً لتنحّي المفتي، وأنّه فاتح الرئيس سعد الحريري بالأمر خلال زيارته لبيروت في شباط الماضي، وأن في جعبة الأخير اسماً يتقاطع مع العديد من القوى السياسية، هو عسّاف نفسه.
ad

في المقابل، ينفي مقرّبون من الحريري هذه «الخبرية»، فيما يصفها قريبون من دار الفتوى بأنها «شائعات مُغرضة تقع في خانة التمنيّات»، إذ إن الوضع الصحيّ لدريان، رغم متاعبه الصحية، «مستقر، وهو اعتذر عن عدم إمامة صلاة العيد بعد نصيحة الأطباء بعدم الوقوف أكثر من نصف ساعة إثر جراحة خضع لها أخيراً، إضافة إلى أنّه كان قد عاد للتوّ متعباً من أداء مناسك العمرة»، لافتين إلى أنه لبّى إفطارات رمضانية ولم ينقطع عن اللقاءات في عائشة بكّار، وآخرها استقباله أمس السفير السعودي وليد البخاري.
ما يؤكده المقرّبون من المفتي هو ما يكرّره الأخير أمام زوّاره بأنه لن يبقى في منصبه يوماً واحداً بعد انتهاء ولايته. وبالتالي، «بث هذه الشائعات هو إمّا للقواص على مفتي الجمهوريّة، أو لرغبة من يطلقها بالتربّع على كرسي عائشة بكّار مكانه»، خصوصاً أنّ الطامحين إلى الخلافة صاروا كُثراً، منهم من يعمل «على المكشوف»، ومنهم من يُفضّل ترك الأمر إلى ربع الساعة الأخير حتّى لا «يحرق» نفسه قبل الأوان.

ولكن، أياً يكن الأمر، فإن معركة الإفتاء في بيروت فُتحت، ولو في الخفاء، بعد أن تحوّل عُرف أن يكون المفتي بيروتياً إلى قاعدة، من دون أن يتوقّف الطامحون عند عدم صحّة رواية تقصير ولاية دريان.

عسّاف جامع الأضداد

الأوفر حظاً لخلافة دريان هو عساف الذي يعدّه كثيرون «مرشحاً طبيعياً»، كوْنه حلّ مكان دريان في رئاسة المحكمة الشرعية السنية العليا بعد تنصيب الأخير مفتياً في آب 2014. المتابعون يصفونه بأنه «آدمي وصاحب خلق ودين»، وتربطه علاقة جيّدة مع كل القوى المحليّة والخارجيّة وأبرزها السعوديّة. «جامع الأضداد» مقرّب من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ويعدّه الحريري من المحسوبين عليه، وعلى علاقة جيدة بالوزير السابق عبد الرحيم مراد، وينوّه بمسيرته الوزير السابق محمّد شقير، وهو من أقرب المقربين إلى دريان الذي كان صديق والده الشهيد أحمد عسّاف (اغتيل عام 1982)، وليس في سجلّه «مشكل واحد» مع أيّ من النّافذين في الشارع السني، ويكاد يكون موضع إجماع، إذ حتّى تدعمه أكثريّة الهيئة الناخبة من دون أن يكون مرشّحاً علنياً. ويؤكد مقرّبون منه أنه لا يسعى إلى «عرش» عائشة بكّار بقدر ما يسعى الآخرون إلى تسميته، وأنّه عندما يُسأَل عن أسماء المُرشّحين، يقترح التمديد لدريان ويرفض التداول في اسمه.

الكردي الجريء
في المقابل، فإن في أوساط المشايخ من يرى أن التشرذم السني الحالي وشغور القيادة السياسية للطائفة يحتّمان كسر صورة النموذجين اللذين عرفتهما «الدار» بعد الطائف، أي دريان والمفتي السابق الشيخ محمّد رشيد قباني، وأن «آدميّة» عسّاف وحياديته لا ينبغي أن تتقدما على ضرورة أن يتمتع المفتي المقبل بجرأة اتخاذ القرار ولملمة الشارع السني. في هذا السياق، فإن المُرشّح الأكثر ظهوراً هو أمين دار الفتوى الشيخ أمين الكردي «الطاحش» اليوم بين الطامحين. لابن عين المريسة صوت عال ومواقف لا يجرؤ كثر من المشايخ على تبنيها، وهو اكتسب أخيراً شعبية في الشارع السني بعد معركته ضد رئيس جمعية المقاصد الخيريّة فيصل سنّو وفي وجه دار العجزة الإسلاميّة. وقد سطع نجمه عندما تقرّب من قبّاني وبات ضمن حلقته الضيّقة، وعيّنه الأخير عام 2009 أميناً للفتوى. وكان صاحب التأثير الأكبر على قباني بين المحيطين به، قبل أن ينقلب عليه في سنواته الأخيرة. وهو لم يدُر يوماً في فلك الحريري، وإن حاول ألا يفتح معارك معه وتقرّب منه في بعض المراحل. ليس من المُحبّبين لدى «المستقبليين» الذين يعتبرون أن بصماته كانت واضحة في الاصطفاف الانتخابي ضدّ قرار الحريري بعدم المشاركة في الاستحقاق. والكردي، على عكس عسّاف الهادئ، خطابيّ، يجيد استخدام الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ويتقن التقرب من العامّة، وعمل على تشكيل «مجالس النور» (مجالس العلم والعلماء) التي ضمّت مشايخ صاروا من المقربين منه ينتشرون في مساجد العاصمة ويملكون تأثيراً على وسائل التواصل الاجتماعي وانتشاراً واسعاً، كالشيخ مصطفى حمادة أحد أشهر المشايخ الذي لمع أخيراً بسبب أسلوبه القريب من الناس. هكذا، «كدّس» الكردي على مرّ سنوات، فريق عملٍ يُفضّله على المرشحين الآخرين ويُمكن أن يسوّق في الشارع البيروتي لاسمه اللامع أصلاً بسهولة.

إلا أنّ العائق الأبرز بينه وبين عائشة بكّار، بحسب المتابعين، هو أنّ اسمه ليس مقبولاً لدى السعودية ومصر، بذريعة علاقاته المميزة مع تركيا وقطر وقربه من الإخوان المسلمين وتتلمذه في بداية مسيرته على يد الشيخ حسن قاطرجي، ودعم شخصيات وجهات مقرّبة من الإخوان، كجمعيّة «إرادة»، له. علماً أن المقربين منه ينفون صلته بـ«الإخوان»، مؤكدين أنّه يتّبع المدرسة الصوفيّة.
بين عسّاف والكردي، يُطرح الشيخ أسامة حدّاد خياراً ثالثاً في حال لم يتم الاتفاق على المرشحين الأوفر حظاً. يؤخذ على حداد أنه مرشّح الرئيس فؤاد السنيورة، وهو ما ينفيه مقرّبون منه تماماً من دون إنكار العلاقة المميزة بين الرجلين منذ سنوات. وكما الكردي، يُتقن حداد فنّ الخطابة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. أسلوبه في شرح الفقه الإسلامي واعتداله، وبراعته في السرد الظريف، كلّ ذلك جعله منذ أكثر من 10 سنوات يدخل إلى منازل البيارتة، وأكسبه شعبيّة كبيرة، وإن كانت حظوظه غير كبيرة.

اترك تعليق