بعدَ غياب لنحو شهر، وصمت تجاه التسريبات المتناقضة حيال موقف المملكة العربية السعودية من الاستحقاق الرئاسي، وتحديداً طرح «المُساكنة» الذي تسوّق له باريس، بدأ السفير السعودي في بيروت وليد البخاري فور عودته من الرياض تحرّكاً استهلّه من دار الفتوى بلقاء مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، ثم رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، واختتم الجولة الأولى من حراكه في معراب بلقاء مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في حضور النائب بيار بوعاصي.
ورغمَ محاولة المعنيين إحاطة ما دار في اللقاءات بالكتمان، تقاطعت المعطيات عند وجود «تقدّم إيجابي» في الموقف السعودي الذي «لم يتبنّ دعم أيٍّ من المرشحين الرئاسيين، لكنه أيضاً لم يشهر فيتو في وجه أحد». وقالت مصادر مطلعة إن «أجواء لقاءي البخاري مع دريان وبري كانت مريحة وإيجابية، على عكس لقاء معراب الذي لم يستمر أكثر من نصف ساعة»، وقالت إن السفير السعودي «تقصّد تسريب أخبار عن أن اجتماعاته كانت مناسبة لاستعراض آخر المستجدات على الساحة اللبنانية، وخاصة الاستحقاق الرئاسي»، لإعطاء إشارة على «بدء انخراط المملكة جدياً في الملف».
التطور الوحيد البارز في حركة البخاري كان في قوله، للمرة الأولى، إنه ليس لدى السعودية فيتو على أي مرشح. وهو أبلغ من التقاهم تخوّف الرياض من إطالة أمد الفراغ الرئاسي، ودعوتها الجميع الى الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، بما يسمح للبنان بمواكبة التطورات الكبيرة في المنطقة.
وفيما تنوعت المعطيات حول نتائج لقاءات البخاري، نقل زوّار عين التينة عن رئيس المجلس أن الزيارة كانت «جيدة، ولكن ليس هناك جديد نوعي».
مصادر القوات اللبنانية، من جهتها، قالت إن رئيسها جدد التزام الموقف الرافض لوصول رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، وعرض لمساعي القوات مع قوى معارضة لمنع اكتمال نصاب أي جلسة لانتخاب فرنجية، حتى ولو لم يحصل توافق على اسم مرشح آخر. ولفتت المصادر، في هذا السياق، الى تباعد جدي بين القوات وبعض القوى المعارضة من جهة، وبين التيار الوطني الحر الذي لا يريد رئيساً لا يحظى بموافقة حزب الله.
وسبق جولة البخاري تداول المعنيين بأجواء الاتصالات التي تجريها فرنسا مع الأطراف اللبنانية لإطلاعهم على نتائج اتصالات المستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل مع الرياض، والتي تركّز أولاً على إسقاط أيّ تحفّظ على فرنجية نفسه، وفتح المجال أمام قوى لبنانية تتأثر بالموقف السعودي للتقدم خطوة في اتجاه التوافق مع ثنائي أمل وحزب الله على السير في التسوية المقترحة، والقائمة على فكرة انتخاب فرنجية رئيساً واختيار نواف سلام رئيساً للحكومة.
أبلغ البخاري من التقاهم تخوّف الرياض من إطالة أمد الفراغ الرئاسي
«الإيجابية الحذرة»، كما وصفتها المصادر، تأتي انطلاقاً مما كشفه من تسنّى لهم الاطلاع على تفاصيل اتصالات حصلت في الأيام الأخيرة يُمكن التوقف عندَها، منها تلقّي بري اتصالاً من دوريل، أخيراً، طالب فيه ببدء ورشة التحضير لدعوة البرلمان إلى جلسات لانتخاب رئيس. إلا أن رئيس المجلس «فضّل التريث لأنه يريد أن يسمع الجواب مباشرة من الجانب السعودي»، علماً أنه كان قد نُقل عن الفرنسيين أن «المملكة أبلغت باريس رسمياً أنها لا تمانع وصول سليمان فرنجية إلى الرئاسة، ونعمل على ترتيب لقاء بين الأخير والسفير السعودي في لبنان». إلا أن بري ظلّ مُصرّاً على أن «يتبلّغ هو شخصياً الجواب من السفير السعودي»، على أن يراقب أيضاً انعكاسات هذا الموقف لدى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والنواب السنّة.
ولفتت المصادر إلى أن الجانب السعودي لم يمانع في حمل الإجابة حول «عدم وجود ممانعة سعودية لإيصال فرنجية إلى من ينتظر الجواب»، لكنه «لن يدخل في نقاش هدفه إقناع أو تليين موقف أحد من المعارضين»، بل سيترك للقوى أن تقرر موقفها بعد إبلاعها أن «المملكة لا تعارض أو تمانع وصول فرنجية». وكشفت المصادر أن «القوات اللبنانية تبلغّت هذا الجو، لكنها تُصرّ على خوض معركة تطيير النصاب، بينما تعهّدت فرنسا بتولّي الاتصالات لترتيب النصاب الدستوري».
وفي السياق، يستكمل الموفد الخاص لأمير قطر الذي وصل الى لبنان قبلَ أيام لقاءاته مع القوى السياسية. وقد اجتمع بحزب الله وقائد الجيش العماد جوزف عون والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، وقد يلتقي جنبلاط. وفيما نقلت مصادر سياسية «استياء لدى القطريين من عدم إشراك الفرنسيين والسعوديين لهم في كل التفاصيل الخاصة بالملف اللبناني»، لفتت إلى أن «الموفد القطري لم يطرح أي مبادرة جديدة، بل تحدث في العموميات مستطلعاً آراء من اجتمع بهم، ومحاذراً حتى الآن عرض أي فكرة مستقلة عن موقف الرياض»