يُعَدُّ تواجد النازحين السوريين بأعداد كبيرة في لبنان، عاملَ ضغطٍ على البنى التحتية الهشّة، وخصوصاً على قطاع الكهرباء. وتساهم المقاربة السياسية لملف النازحين، في رفع مستوى الجدل حول استهلاك نسبة كبيرة من الطاقة في المخيّمات بلا ثمن. فهل يحمل النازحون مسؤولية عدم الدفع أم هناك جهات أخرى مسؤولة؟
مشكلة تمويل دولية
تتولّى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، ومنظّمة اليونيسف، تمويل الخدمات الأساسية للنازحين “لكنهما لا يرصدان تمويلاً خاصاً للكهرباء، بل يقتطع النازحون كلفة الكهرباء من المبالغ المالية التي يحصلون عليها”، تقول مصادر إدارية مشرفة على تنفيذ برامج الـUNHCR في لبنان.
وعدم وجود تغطية مالية مخصصة للكهرباء يعني بصورة غير مباشرة، تقليص القدرة الشرائية للمساعدات المالية التي يحصل عليها النازحون، الذين يضطر بعضهم إلى دفع المال لكهرباء الدولة وكهرباء المولّدات الخاصة.
في الوقت عينه، تخصّص بعض الجهات الدولية “أموالاً لمشاريع تتعلّق بالطاقة النظيفة، تُنَفَّذ بشكل مباشر مع البلديات بوصفها جهة رسمية تمثّل المجتمعات المضيفة للنازحين. ويأتي التمويل تحت عنوان تطوير البيئة المحيطة لمساعدتها على مواجهة تداعيات النزوح”. ومع أن مساعدة البيئة المحيطة يساهم في تحمُّل أعباء النزوح، إلاّ أن عدم مراعاة الدعم بشكل موازٍ للنازحين والبيئة المحيطة، سيؤدّي إلى الخلل.
وعدم تحديد آلية واضحة ومباشرة لتمويل احتياجات النازحين من الطاقة، دَفَعَ النازحين إلى التعامل مع المسألة بحسب امكانياتهم وظروفهم المرتبطة بكيفية تأمين الكهرباء من قِبَل صاحب الأرض المقام عليها المخيَّم.
غياب الرقابة المحلية
ما تستهلكه مخيّمات النازحين من كهرباء غير مدفوعة الثمن، هو فعل غير معزول عن الهدر العام الذي تشهده مؤسسة الكهرباء. فالهدر المسجَّل على المخيّمات يشبه ما تسجّله تجمّعات لبنانية في أكثر من منطقة. والخيوط المتشابكة في هذا الملف، تعود لتتجمَّع عند نقطة مركزية، وهي غياب القرار لدى مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة. فعدم مكافحة الهدر والتهرّب من دفع الفواتير، لم يسبِّبه النزوح السوري، ولم يمنعه. بل هو سابق له ومستمر خلاله وبعده.
كما أن غياب الرقابة أدّى إلى تمَرُّس جزء كبير من اللبنانيين في أساليب الاستفادة من الكهرباء، سواء لاستهلاكها مجاناً، أو بيعها ومراكمة الأرباح على حساب المال العام. ومع ارتفاع معدّلات النزوح واتّساع رقعة المخيّمات واستئجار الأراضي لإقامتها “لجأ أصحاب الأراضي إلى بيع كهرباء الدولة للنازحين من دون دفع الأموال لمؤسسة كهرباء لبنان، رغم استيفائهم كلفة استهلاك الكهرباء من النازحين”.
وتوضح المصادر أن “هناك أصحاب أراضٍ يعلّقون أسلاك كهرباء فرعية على الأسلاك الرئيسية لمؤسسة الكهرباء، ويسحبون منها لتغذية المخيّمات لحسابهم الخاص. كما أن هناك بعض أصحاب المولّدات الخاصة يبيعون كهرباء الدولة للمخيّمات ويتقاضون كلفتها على أنها من المولِّدات. أما المنظّمات الدولية، فتتغاضى عن هذا الأمر طالما أنها لا تدفع كلفة الكهرباء من جيبها”.
ومع ذلك، لا توافق المصادر على تصوير النازحين بأنهم معتدون على الشبكة الكهربائية “ليس لعدم وجود معتدين مباشرين، بل لأن الاعتداء على الشبكة يتم بشكل منظَّم وبغطاء من قِبَل أصحاب الأراضي أو النافذين في المنطقة، وهؤلاء يشكِّلون حاجزاً مانعاً لإزالة التعديات. أما الاعتداءات المباشرة، أي تلك التي يقوم بها النازح السوري مباشرة وبنفسه، بتعليق سلك كهربائي على الشبكة العامة، فهي حالات نادرة، ويستغلُّها بعض اللبنانيين في تهديد النازحين بفضح أمرهم ومنعهم من الاستفادة من الكهرباء”.
تواطؤ محلّي
لم تتعامل مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة مع حاجة مخيّمات النازحين للكهرباء، بصورة صحيحة. بل تُرِكَت المسألة للأمر الواقع، لتُستَغَلَّ بعد سنوات كسبب إضافي لتنفيذ مشاريع اعتباطية، تحت ذريعة تطوير قطاع الطاقة وسدّ النقص في التغذية.
وما يجهله كثيرون أن الذرائع المتّصلة باستهلاك النازحين واعتدائهم على الشبكة، تصطدم بحقائق “رصد بعض المنظمات الدولية، ومنها اليونيسف، لمشاريع تتعلّق بالطاقة للمجتمعات المضيفة، لكنها لم تُنجَز بسبب خلل لدى البلديات والجهات الرسمية اللبنانية. ومع ذلك، اختفت المعدّات التي كان يفترض تركيبها ضمن مشاريع الطاقة الشمسية. والربط بين مشاريع الطاقة المخصصة للبيئة المحيطة، وبين قضية النازحين، يأتي من باب تخفيف الضغط على الشبكة العامة”.
وعليه، فإن المؤسسة والوزارة، ومعهما البلديات، لم يقدّموا أرضية خصبة لاستباق الضغط الذي سيضعه النازحون على الشبكة حين كان هناك تغذية، ولم يجتهدوا لاستغلال مشاريع الطاقة الشمسية، تحت حجّة عدم امتلاك التمويل الكافي لصيانتها لاحقاً، مع أنّهم وافقوا على المشاريع في البداية. وبالنتيجة، تغاضى المموِّلون عن المشاريع، وفُقِدَت بعض المعدّات التي كانت قد قُدِّمَت”.
الأزمة ستتفاقم
ما جرى على مدى سنوات في ملف تأمين الكهرباء لمخيّمات النازحين وما ينتج عنه من ثقل على الشبكة وهدر للمال العام سيتفاقم مع الوقت، لأن مؤسسة الكهرباء ليس لديها المال لإجراء الصيانة على الشبكة ولتوفير العدادات والمعدّات المطلوبة لإيصال الكهرباء إلى المخيّمات ورصد حجم الاستهلاك. ولو افترضنا أن المسألة التقنية أنجزَت، فهل تستطيع المؤسسة تأمين التغذية بمعّدلات كافية للحصول على الإيرادات المطلوبة؟ وهل لديها الآلية الصحيحة لتحصيل الجباية؟ هي أسئلة لا تنفصل إيجاباتها عن واقع استقالة المؤسسة والوزارة من مهامهما، وتركيزهما على مشاريع ضيّقة لا تنهض بقطاع الكهرباء.
وستزداد الصعوبة في المستقبل القريب “بفعل نيّة اليونيسف تخفيض تمويلها للمشاريع المخصصة للنازحين في لبنان، نتيجة الصعوبات الاقتصادية العالمية وإعطاء الأولوية لمواجهة متطلّبات أزمة النزوح الأوكراني إلى الدول الأوروبية”.