باستعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية يكون ملف الرئاسة في لبنان قد شهد دخول عنصر جديد عليه. ليس من قبيل الصدفة الإصرار السعودي على عودتها ولا إدخال لبنان عضواً في لجنة البحث في الأزمة السورية. سوريا من الأساس لم تكن بعيدة عن الإستحقاق الرئاسي وإن بشكل غير مباشر أو بالواسطة ومن خلال حلفائها.
قبل عودتها بأيام، كان الملف اللبناني حاضراً بقوّة في العاصمة السورية دمشق التي استقبلت وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي عرّج على لبنان في معرض زيارة هدفها التحضير لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الى سوريا. زيارة وصفها حلفاء إيران في لبنان بأنّها تاريخية بكل المقاييس لكونها الزيارة الأولى لرئيس إيراني منذ العام 2011، وقد جاءت في أعقاب التفاهم السعودي الإيراني.
الهدف من الزيارة وفق مصادر متقاطعة من الجهتين، التأكيد على عمق العلاقة واستمراريّتها وتوقيع العديد من الإتفاقيات المشتركة للتبادل التجاري والإقتصادي بين البلدين. وأتت هذه الزيارة في أعقاب إعادة تموضع الحضور الإيراني في سوريا وتراجع وجود الحرس الثوري الإيراني من مناطق أساسية فيها وانكفاء «حزب الله» وعناصره إلى حدّ الغياب عن مناطق تواجدهم الأساسية.
وعلى ما تشير معلومات موثوقة فإنّ المقصود من الزيارة التأكيد على سير العلاقة السورية – الإيرانية بما يتناسب والإتفاق الإيراني – السعودي. ما يهمّ إيران في هذه الفترة تثبيت العلاقة مع سوريا والتأكيد للمسؤولين السوريين أنّها لم تكن بعيدة عن الإتفاقيات التي عقدتها إيران مع الصين وهي تدعم بقوة عودة العلاقات السورية مع السعودية ومع كافة الدول العربية. خلال المباحثات حضرت كل ملفات المنطقة بتفاصيلها.
قبل رئيسي كان الرئيس السوري بشار الأسد استقبل أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله في زيارة أعقبت توقيع الإتفاق الإيراني مع السعودية، وقد شملت نقاط البحث كل ملفات المنطقة من الوضع في إسرائيل بتطوّراته الأخيرة إلى الوضع في سوريا والرئاسة في لبنان. مطلعون على سير اللقاء وصفوه بـ»الجيّد» وقالوا إن البحث تطرّق إلى موضوع الرئاسة وترشيح سليمان فرنجية، وكان الموقف السوري مطابقاً لموقف إيران من حيث تجيير المسألة الى الحليف «حزب الله». تؤيد سوريا ترشيح حليفها وتوفر كل الإمكانيات لوصوله لكنها لا تتدخل مباشرة ولم تتدخّل حتى الساعة.
كل ما سبق يجيّره الحلفاء لصالح فرنجية، المرشح الذي لم ترفض ترشيحه السعودية ولم تزكّه بالمقابل. بعد انقضاء يومين على الزيارة وإخضاع مواقفه للتحليل المستفيض يمكن وضع موقف المملكة في سياق من يحاول تمهيد الإستدارة لحلفائها والمعوّلين عليها، حسب ما تفسّر مصادر «الثنائي»، وهل يصعب على من سعى بكل جهده لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية أن يتقبّل ترشيح سليمان فرنجية الذي لم يكن ضدها أمس أو اليوم، بل على العكس هو نفسه من أبلغ الثنائي الشيعي صراحة استحالة رئاسة لا تحظى بمباركة السعودية؟
وأكثر من ذلك هناك من يتحدّث عن رسائل سعودية بالواسطة تلقّاها «حزب الله» تطمئنه الى مستقبل مرشحه، ولذا فهو في صدد العمل على ترتيب الأرضية المسيحية مع حليفه «التيار الوطني الحر». ومثل هذا التفاؤل لم يغادر بنشعي وابنها المرشح الرئاسي الذي لا يزال يتأمل خيراً بالرئاسة. لكن مثل هذه الأجواء تناقضها أجواء أخرى تقارب التدخل السعودي بسلبية لتجزم أنّ المملكة ليست بوارد التدخل في ملف لبنان. منطق الأمور تعبّر عنه مصادر سياسية واسعة الإطلاع بالقول من غير المنطقي أن يتراجع الثنائي عن ترشيح فرنجية تلقائياً قبل أن يستنفد كلّ أمل متبقٍّ بانتخابه، والمقايضة على ملف كهذا لن تكون سهلةً لأنّ الثمن الذي قد يتقاضاه «حزب الله» سيكون باهظاً، أما السنّة فقد زادتهم مواقف السفير السعودي وليد البخاري حيرة على حيرتهم، فلا هم مع فرنجية ولا ضده ولا وجود لمرشد سياسي يأخذ بيدهم. غير أن تطوراً قد استجد مساء أمس تمثل بلقاء عقده السفير السعودي مع نواب «الإعتدال» جزم خلاله أنّ بلاده لا تضع على أي مرشح رئاسي «فيتو» أو اعتراضاً بما في ذلك على المرشح سليمان فرنجية، وتابع أنّ بلاده لا تريد أن تتحمل مسؤولية استمرار الفراغ الرئاسي، وهي تريد ان تتعاطى مع الرئيس المنتخب وفق أدائه. وتابعت مصادر «الإعتدال» تقول لـ»نداء الوطن» إنّ ما أكد عليه البخاري هو الدفع باتجاه إنتخاب الرئيس ما فسر على أنه رفع للمسؤولية عن كاهلها وإسقاط ذريعة انتظار موقفها للبناء عليه وأنها لا تعترض على ترشيح فرنجية.