مؤشر أساسي لا بد من التوقف عنده في إطار تطور مسار العلاقات العربية مع سوريا، وهو انضمام لبنان إلى اللجنة الوزارية العربية، التي ستتابع تطبيق مقررات وبنود الاجتماع الوزاري العربي، الذي اتخذ فيه قرار إعادة سوريا إلى الجامعة العربية.
اللاجئون والحدود.. والرئاسة
من بين تلك البنود ملفات أساسية تهم لبنان، وخصوصاً مسألة إعادة اللاجئين، وملف ضبط الحدود بين البلدين ومكافحة التهريب، وخصوصاً تهريب المخدرات. بمعزل عن الجهة التي دفعت إلى انضمام لبنان إلى تلك اللجنة، أو إذا كان ذلك استجابة لطلب لبناني، خصوصاً أن لبنان كان يصر على الاشتراك والحضور على الطاولة، ليكون شريكاً في مسألة متابعة عملية إعادة اللاجئين، لكن القرار بحد ذاته هو توجيه عربي واضح للبنان الرسمي، بالتوجه إلى دمشق. وهذا يعني أكثر من نقطة.
النقطة الأولى توحي بأن لبنان أصبح ملزماً بحوار رسمي مع دمشق في سبيل إعادة اللاجئين. وهذا بحد ذاته تحول لأن هذا الأمر كان من الكبائر، وكان محط انقسام لبناني.
النقطة الثانية، هي أن لبنان وبسياسته الخارجية، بالنظر إلى موازين القوى السياسية فيه، فإنه سيكون ميّالاً أكثر إلى جانب سوريا في الموقف داخل اللجنة، خصوصاً أن هناك ضغوطاً كثيرة ستكون قائمة في سبيل مساندة دمشق بمجالات متعددة. بناء على هذا التطور، بدأت تطرح في بيروت تساؤلات كثيرة حول تداعيات كل هذه الخطوات على المستوى السياسي، وفي الملف الرئاسي أيضاً. فمعلوم أن الملف اللبناني لم يدرج حتى الآن في المفاوضات الإيرانية السعودية المباشرة. بينما هناك لبنانيون يراهنون على أن تعود دمشق للعب دور سياسي في لبنان، انطلاقاً من قناعة لدى هؤلاء بأن العرب عادوا إلى وجهة النظر القديمة، أنه لا يمكن حكم لبنان أو التأثير فيه إلا من خلال سوريا.
الموالون للأسد في لبنان
بعض المتشائمين من هذا المسار، يشبهون المرحلة بحقبة ما بعد اتفاق الطائف، وتلزيم لبنان للوصاية السورية، خصوصاً في أعقاب متابعة مواقف الكتل المسيحية المعارضة لترشيح سليمان فرنجية، صاحب العلاقة الوثيقة مع دمشق ومع حزب الله. فيما آخرون يعتبرون أن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء غير متاحة في هذه المرحلة، وأن الاتفاق السعودي الإيراني لا بد له أن ينعكس توازناً في لبنان. كما أن وجود حزب الله في لبنان بهذه القوة، وبعد دوره الأساسي في سوريا، لا يمكن لنظام الأسد أن يعود ليتمتع بنفوذ سياسي واسع، خصوصاً أن الكثيرين من الذين التقوا ببشار الأسد مؤخراً، وحاولوا النقاش معه في الملف اللبناني، بدا أنه يتابعه عن كثب لكنه أحال الجميع على حزب الله والتنسيق معه.
وسط كل هذه الوقائع، هناك من يعتبر أن دفع لبنان إلى اللجنة، وبالتالي دفعه إلى سوريا رسمياً، سيكون له الكثير من التبعات خصوصاً في ملف إعادة اللاجئين، وسط وجود قناعة لدى العديد من المسؤولين بأن أعداداً كبيرة من اللاجئين الموجودين هنا يوالون النظام سياسياً، والمقصود بهم أولئك المصنفين لاجئين اقتصاديين، ومن بين هؤلاء الجحافل التي شاركت في الانتخابات الرئاسية السورية، إذ قدّرتهم الأرقام بحوالى 150 ألف مقترع. هذا العدد المهول يعني بلغة الأرقام بحال تم احتساب هؤلاء مع عائلاتهم، ولا سيما أولادهم الذين لم يبلغوا سن الإقتراع، أن هناك حوالى 500 ألف سوري في لبنان جميعهم موالون للنظام. وهو سيكون له قدرة كبيرة على التحكم بمسار الأمور سواء داخل لبنان أو في عملية تنظيم إعادتهم إلى سوريا. وجزء كبير من هؤلاء قادر على التحرك بسهولة بين لبنان وسوريا.
يمكن لهذا العدد أن يمنح النظام في دمشق قدرة أكبر على التحكم بمسارات لبنانية كثيرة على الأرض وفي السياسة، خصوصاً في ظل استفادته من زخم استعادة علاقاته العربية.