تحتل الايجابيات مزيدا من المساحات في المنطقة والاقليم، وهي توّجت أمس بإستعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية بعد غياب دام 12عاما، ما من شأنه أن يؤسس الى تعاون عربي مشترك، فاعل ومؤثر.
وفي الوقت الذي يُنتظر فيه أن تنعكس هذه الايجابيات على لبنان، ما تزال بعض القوى والتيارات السياسية تعيش حالة إنكار لما يجري من حولها، رافضة فتح الأبواب أمام رياح التفاهم والتقارب والتي بات ملحا أن تلفح اللبنانيين خصوصا في الاستحقاق الرئاسي الذي لم يعد جائزا أن يبقى عصيا على الانجاز.
في غضون ذلك، يبدو أن لا كلمة سرّ عربية أو أجنبية في الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي فإن على اللبنانيين أن يتحملوا مسؤولياتهم، خصوصا بعدما أكد السفير السعودي في لبنان وليد البخاري أن “ليس لدى المملكة أي مرشح وأنها لا تضع فيتو على أي كان”، وكانت الخارجية الفرنسية عبرت عن نفس الموقف قبل نحو إسبوعين، وكذلك أميركا عبر سفيرتها في لبنان دوروثي شيا التي تؤكد أن بلادها سوف تتعاطى مع الرئيس الذي يختاره اللبنانيون ولا فيتو لديها على أحد.
لا شك في أن هذه المواقف ستساهم في حشر بعض التيارات السياسية التي تتلطى في تعطيلها الاستحقاق الرئاسي بالخارج، وخصوصا على صعيد القوى المسيحية التي تخوض معاركها تحت شعار أن الخارج لا يقبل بهذا المرشح أو ذاك.
مع سقوط هذه المعادلة، ومع إعلان بعض المكونات النيابية من كل الطوائف دعمها المطلق والنهائي لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، لم يعد أمام الفريق الآخر سوى حسم خياراته في ترشيح شخصية تكون جدية وقادرة على منافسة فرنجية في مجلس النواب وفقا لعملية ديمقراطية متكاملة، خصوصا بعدما زالت كل أسباب التعطيل التي يتلطى خلفها هذا الفريق بإعلان الدول المعنية عدم وضع أي فيتو على أي مرشح، وبعدما ساهمت المصالحات الجارية في المنطقة وعودة سوريا الى جامعة الدول العربية بإسقاط العديد من المصطلحات المتعلقة بـ”الممانعة والمقاومة والمحور” وما شابه ذلك من المرادفات التي يستنبطها هذا الفريق في وجه شركائه في الوطن.
هذه المستجدات أفقدت رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الكثير من أوراقه، السياسية خصوصا أن ما قاله في تصريحات وبيانات عن فيتوات ورفض لهذا المرشح أو ذاك طيلة الفترة الماضية، كان عبارة عن تقدير خاطئ، فضلا عن الخطأ الذي إرتكبه بحق فرنسا التي إتهمها أنها تستخدم الملف الرئاسي لتقوم بصفقة مع حزب الله، والمغالاة في رفع السقوف السياسية التي تبين أن لا جدوى منها، وبالتالي لم يعد أمام جعجع الكثير من الخيارات في الملف الرئاسي.
وكذلك، فقد أضعفت هذه المستجدات الايجابية موقف رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، الذي يتبين يوما بعد يوم أن معارضته الشرسة لترشيح سليمان فرنجية مردها الى أنانية سياسية وشخصانية صرفة، وهذا ما يدركه حزب الله الذي ما يزال ينتظر منه دورا إيجابيا في هذا الاستحقاق.
تشير المعطيات الى أن أكثرية الدول المهتمة بلبنان باتت على قناعة أن تعطيل الاستحقاق الرئاسي مرده بشكل مباشر الى القوى المسيحية المارونية التي لا تريد أن تتحاور أو تتوافق فيما بينها على مرشح واحد، وتعمل على قطع الطريق على بعضها البعض، وترفض الحوار مع أي طرف آخر، وهذا ما جعل لهجة بعض السفراء الأوروبيين قاسية في الحديث معها، ما يؤكد أن ثمة تبدلا في التعاطي الأوروبي مع هذه القوى التي لم تسلم أيضا من إنتقاد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي نقل عنه زواره إنزعاجه من جعجع وباسيل وكيفية تعاطيهما مع الاستحقاق الرئاسي.