لا تزال المشهدية الرئاسية تحت تأثير الانخراط السعودي في الملف اللبناني بعد حقبة من عدم الاكتراث، والذي حمل في المرحلة الأخيرة عنوان «الحياد الإيجابي». بمعنى عدم ضغط المملكة على حلفائها للسير بأي مرشح، مقابل رفع الفيتو عن كلّ المرشحين بمن فيهم فرنجية. لكن لهاتين القاعدتين، قاعدة ثالثة موازية، وإن كانت غير معلنة، وهي عدم «تورّط» السعودية بأي دعم سياسي أو مالي للعهد الجديد، أقلّه في المدى المنظور وعلى قاعدة «افعلوا ما تشاؤون ونفعل ما نشاء»، الأمر الذي يفتح باب التساؤلات حول قدرة داعمي فرنجية على دحرجة كرة ثلج تأييده وتكبيرها طالما أنّ المظلة الإقليمية غير محبوكة بإبرة «التكافل والتضامن».
وفي هذا السياق، يرى المتابعون أنّ إعلان كتلة «الاعتدال الوطني» رفضها مقاطعة أي جلسة انتخابية رافعة من شأن المرشح الذي يحمي اتفاق الطائف، وهي بذلك تقول من دون أن تعلن، إنّها تؤيد وصول رئيس «تيار المردة»، غير مفاجئ ولا يعبّر عن تطوّر ما في الموقف السعودي، بقدر ما يعكس مصالح هذه المجموعة مناطقياً – انتخابياً في وصول فرنجية إلى القصر. ولا يعني أبداً أنّ حجارة دومينو تأييد فرنجية، بدأت تسقط…
وليد جنبلاط إلى أين؟
من هنا العين على وليد جنبلاط. إذ ينتظر أن يشرح رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» يوم الاثنين المقبل، حيثيات موقف كتلته من الاستحقاق الرئاسي في ضوء عاملين اثنين: أولاً، علاقته الوثيقة برئيس مجلس النواب نبيه بري التي تسمح للأخير بالتعامل مع أصوات كتلة «اللقاء الديموقراطي»، أو معظمها، على أنّها «في الجيبة». ثانياً، النقلة التي شهدها الموقف السعودي في الانتقال من مربّع الرفض لفرنجية إلى عدم ممانعة القبول به رئيساً.
ولكن المطلعين على موقف رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي»، يجزمون بأنّ اعتبارات كثيرة تحول دون انضمامه إلى قافلة مؤيّدي رئيس «تيار المردة». هو أبلغ هذا الموقف الصريح والواضح إلى من التقاهم خلال الفترة الأخيرة، ليوضح بشكل لا لبس فيه أنّه «لا بدّ من رئيس من خارج الاصطفافات».
وفق هؤلاء فإنّ اعتبارات جنبلاط تتلخّص بالآتي:
– لا شك بأنّ وليد جنبلاط هو من أكثر السياسيين شطارة في السباحة مع تيار التطوّرات الإقليمية، كما أنّه ليس من قماشة الانتحاريين الذين يواجهون العواصف العاتية لا سيما تلك الآتية من الخارج. ومع ذلك، قد تكون له حيثياته الخاصة التي تجعله ميّالاً إلى رئيس من خارج الاصطفافات يحافظ بوصوله على التوازن في البلد ولا يجعلها «طابشة» لمصلحة فريق ضدّ آخر.
– لا يخادع جنبلاط حين يقول إنّ المستقبل هو لتيمور جنبلاط ولا يمارس سياسة الاختباء خلف الإصبع لأنّ الوراثة فعلاً معقودة لتيمور. وللأخير كما هو معروف مقاربته الخاصة إزاء التركيبة اللبنانية وقواعد التعاطي بالشأن العام وكيفية بناء الدولة، تكاد تكون غير منسجمة مع رؤية والده إذا لم نقل معارضة. من هذا الباب لا يحبّذ تيمور الانصياع لتسوية تعيد إحياء التركيبة الممسكة بمقاليد البلد منذ تسعينات القرن الماضي ولو أنّه وريث أحد أضلعها. ولكن هذا لا يعني أنّ الوالد ونجله ليسا على تفاهم أو انسجام في الملف الرئاسي، خصوصاً أنّ وليد جنبلاط هو الذي سبق له أن قال بالحرف الواحد إنّه يعتبر أن ميشال معوّض مرشح تحدٍّ بالنسبة لفريق كما أنّ فرنجية هو مرشح تحدّ لفريق. ولا يزال عند رأيه.
– لن يخطو رئيس «الحزب التقدمي» خطوة للأمام تجعله على ضفّة مواجهة لضفّة القوى المسيحية. وطالما أنّ هؤلاء يرفضون وصول رئيس «تيار المردة»، فهو لن يتجاوزهم. وهو سيعيد التأكيد في إطلالته الإعلامية على الثوابت التي تحكم موقفه من الرئاسة، بمعزل عن اسم الرئيس: ألّا يكون أولاً مرفوضاً من المسيحيين، أن يكون مقبولاً من معظم القوى اللبنانية بمعنى ألّا يأتي على طريقة غالب ومغلوب. أن تكون لديه خطة إصلاحية واضحة. ألا يعرّض لبنان لأي مواجهة داخلية أو خارجية مع العرب.
بهذا المعنى، يصير الاسم بالنسبة له تفصيلاً، ليتساوى بذلك، فرنجية مع غيره. المهم أن تكون تلك المواصفات حاضرة مع الترشيح.