قرّر البطريرك بشارة الراعي أن يحدّد وجهته باريس، حيث المطبخ الرئاسي الفرنسي يعمل على إنضاج تسوية تزكي حظوظ المرشح سليمان فرنجية على سواه من المرشحين المحتملين. وقد دفعه الى ذلك شعور الفرنسيين بأنهم ذهبوا بعيداً في التسويق لفرنجية، من دون الأخذ في الاعتبار القاعدة المسيحية الكبرى المعارضة له، أو بكركي التي يُفترض أن ترفض تزكية شخص على حساب آخر، ما لم تكن هذه التزكية خلاصة توافق مسيحي، وليس استفزازاً لفريق ضد آخر.
يتوجّه الراعي الى باريس في ظروف يشكك فيها البعض ممّن يطرحون علامات استفهام وتشكيك في هدفها، وما إن كانت فعلاً ترمي الى تعبير البطريرك عن انزعاجه من التبني الفرنسي العلني لفرنجية، كما يتردّد داخلياً، أم هي على عكس ذلك تهدف الى انتزاع باريس غطاء بكركي لفرنجية، بما يسهّل انتخابه، رغم الاعتراضات المسيحية الداخلية أو عدم ارتياح بعض الدول المؤثرة في لبنان لهذا الخيار.
سؤال أكبر يُطرح في هذا المجال، عن موقع الفاتيكان وموقفه من تحرك الراعي، ومن أي تسويق لفرنجية يجري العمل عليه من بوابة بكركي، خصوصاً أن الزيارة الباريسية لم يعلن عنها بعد أو عن صاحب الدعوة إليها، المفترض أن يكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وهي تأتي غداة الإعلان عن تأجيل اجتماع للدول الخمس ومن بينها فرنسا في قطر، من أجل استكمال البحث بالملف اللبناني.
مصادر سياسية مواكبة للحراك الدولي أكدت، في ردّها على هذه التساؤلات، أن لا دور للبطريركية المارونية في التسويق أو إيصال رئيس، مشيرة الى أن معادلة انتخاب رئيس على قاعدة ملء الشغور في الرئاسة الأولى انتهت وباتت المعادلة اليوم في الرؤية والمشروع اللذين سيحملهما الرئيس، وذلك انطلاقاً من أربعة عناوين رئيسية:
– تطبيق وثيقة الطائف بكل بنودها الإصلاحية.
– التعهد بتطبيق القرارات الدولية استناداً الى دينامية حوار داخلي تطرح على الطاولة موضوع سيادة لبنان من باب إنهاء السلاح الفلسطيني غير الشرعي وسلاح “حزب الله” الإقليمي.
– بلورة مسار العودة الى جذور الصيغة اللبنانية والميثاق والعيش المشترك كما أقرّتها الأمم المتحدة قبل بضعة أعوام.
– التأكيد أن لا إصلاح اقتصادياً ومالياً قبل معالجة جذور المشكلة السياسية.
وهذه العناوين من شأنها أن تسقط المقاربة الفرنسية القائمة على تزكية مرشح ضمن مقايضة على رئاسة الحكومة، رغم أن باريس هي عضو في مجموعة الدول الخمس، وتدرك تماماً أن حركة هذه الدول تواكبها الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والفاتيكان، الذي يعمل بديبلوماسيته الصامتة على ضمان الالتزام بالثوابت اللبنانية، خصوصاً أنه يقارب انتخاب الرئيس من بعد وطني لا مسيحي، ومقاربته تقوم على إنقاذ الجمهورية لا على ملء الشغور.
وهذه المقاربة تؤكد أن التباين لا يزال قائماً بين الكرسيّ الرسولي وبكركي التي تدرك أن الدور في الأساس للفاتيكان. ما يعني عملياً أن الزيارة الباريسية لن تكون لها مفاعيلها الرئاسية محلياً إذا سار الراعي في الوجهة المرسومة له منها.