برّي يجزم لزوّاره حصول “تقدّم… غير كافٍ”

يتأرجح اللبنانيون بين المواعيد التي يضربها قادتهم لنهاية فصول المعاناة والانتظار، ثمّ لا يلبثون أن يكتشفوا أنّهم يترقّبون السراب، وأنّ ضرب المواعيد يُخضعه تصريح من هنا أو خطاب من هناك لتأويلات تمعن بعض الوسائل الإعلامية في الترويج لها، فتتحوّل هذه المواعيد إلى استحقاقات يجب رصدها.
تخضع المستجدّات في شأن الرئاسة لشتّى أنواع التوظيف من الفرقاء المتخاصمين، بحيث باتت المستجدّات الداخلية أو الخارجية في الشأن الرئاسي “حمّالة أوجه”، وهو ما دفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى التعليق أمام زوّاره بطُرفة قال فيها إنّه من كثرة “حمّالي” الأوجه “كتروا العتّالين” (حمّالو الأوجه)، فالتواريخ التي يحدّدها بعض النواب، أو التكهّنات الإعلامية باقتراب موعد إنهاء الفراغ الرئاسي لا تستند إلا إلى الرغبات أو الآمال.

تأويلات موعد 15 حزيران
تكرّرت الخيبات منذ 31 تشرين الأول الماضي، تاريخ انتهاء ولاية الرئيس السابق العماد ميشال عون. قيل الكثير في إعلان رئيس المجلس النيابي نبيه برّي قبل ستّة أيام عن “وجوب إنجاز انتخابات رئاسة الجمهورية كحدّ أقصى في 15 حزيران المقبل”. والموعد مرشّحٌ للالتحاق بغيره من الخيبات، في ظلّ تكرار ربط أيّ تطوّر جديد بالمحطّات الخارجية، ومنها القمّة العربية التي تنعقد بعد يومين، أو التقدّم في تسوية أوضاع اليمن بحيث تنعكس النتائج الإيجابية المتوقّعة للاتفاق السعودي الإيراني على لبنان.

ممّا قيل في تفسير هذا الموعد:
1- أنّ الإصرار الفرنسي على تسريع انتخاب الرئيس الذي هو حجّة باريس لاختيارها انتخاب رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية لأنّه الخيار الوحيد على الطاولة بغياب مرشّح تتّفق عليه قوى المعارضة، وأنّ الإلحاح الفرنسي على الجانب السعودي من أجل تسهيل إنجازه للخروج من المراوحة، دفعا الأخير إلى التسليم لقصر الإليزيه بأن يحاول، وهذا ما يفسّر الموقف المستجدّ الذي جال به السفير وليد بخاري على القوى السياسية، والذي جاء فيه أن لا فيتو على فرنجية أو أيّ مرشّح. وتردّد أنّ الجانب الفرنسي أعطى لنفسه، ولقوى المعارضة السيادية والمستقلّين والتغييريّين، مهلة كي يتّفقوا على مرشّح واحد حتى 15 حزيران، فيدعو برّي إلى جلسة انتخاب بناء عليه، وليفُز من يحصل على أكثرية الأصوات.
2- تردّد أيضاً أنّ برّي أطلق هذه المهلة جرّاء تصاعد الضغوط الدولية، وأبرزها الأميركية، على الطبقة السياسية لاستعجال ملء الفراغ. فالسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا جالت على المرجعيات، ومنها برّي، بعد صدور بيان الخارجية في الأوّل من أيار، الذي سجّل مضيّ ستّة أشهر على “الفشل المتواصل في انتخاب رئيس”، داعياً “على وجه السرعة إلى انتخاب رئيس يوحّد البلد وينجز الإصلاحات لإنقاذ الاقتصاد… وعلى القيادات السياسية أن لا تضع مصالحها الشخصية فوق مصلحة البلد والشعب”. وفق المعلومات دعت شيا في لقائها مع برّي إلى “إسدال الستارة عن الأشهر الستّة الماضية التي عنوانها الفشل في انتخاب رئيس والانتقال إلى فصل جديد وخيارات تنقذ البلد لأنّه لم يعد يحتمل”، ووافقها برّي الرأي وكرّر أمامها أنّه ينتظر اتفاق الفريق الآخر على اسم مرشّح، وأنّه سيحدّد موعداً لجلسة قريباً. وشمل الإلحاح الأميركي على استعجال ملء الفراغ أيضاً القيادات المسيحية المعارضة لخيار فرنجية.

3- ذهب خصوم خيار فرنجية في التأويلات لموعد 15 حزيران إلى القول إنّه ربّما يكون المهلة الفاصلة من أجل تخلّي “الثناء الشيعي” عن خيار فرنجية، إذا لم تثمر الجهود ضمان الأكثرية له.

تسارع الحراك الداخليّ
ترافق التوثّب نحو موعد 15 حزيران مع حراك داخلي قوامه سعي المعارضة، أي السياديّين والمستقلّين والتغييريّين، إلى توحيد الموقف والتوافق على مرشّح في مواجهة فرنجية. لكن لم يثمر هذا الحراك بعد على الرغم من الجهود التي بذلها النائب الدكتور غسان سكاف، ومن الوعود بقرب التقاطع بين أقطاب المسيحيين، ولا سيما بين رئيسَي حزب “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وبين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، على اسم واحد أو اسمين. مقابل ذلك أشاعت وسائل الإعلام تسريبات عن زيارة مرتقبة لمسؤول الارتباط والتنسيق في “حزب الله” وفيق صفا لباسيل بحجّة أنّ الأخير لم يترك رهانه على إمكان التفاهم مع “الحزب” على مرشّح بديل من فرنجية. لكنّ مصدراً موثوقاً مطّلعاً على موقف قيادة “حزب الله” أكّد لـ”أساس ميديا” أنّ صفا لن يلتقي جبران باسيل، كما يتردّد.

لا لقاء بين صفا وباسيل ولا جديد متوقّع
يعتبر المصدر نفسه أنّ كلّ ما يُذكر ويُكتب في وسائل الإعلام في هذا الصدد من نسج الخيال، وأنّ من يروّجون لأخبار من هذا النوع أو يتعاطون معها على أنّها واقعة، “يعيشون في عالم آخر”.
يفضي الحديث مع المصدر نفسه إلى النتيجة الآتية: “لا شيء. لا شيء جديداً متوقّع” (في شأن الرئاسة). بل إنّه يعير أهمية للمستجدّات الإقليمية ويدعو إلى متابعتها بدقّة، من مفاعيل الاتفاق السعودي الإيراني، إلى التقارب السعودي السوري، وصولاً إلى قمّة جدّة العربية، التي دُعي إليها الرئيس السوري بشار الأسد.

برّي وتقدُّم فرنجيّة… ولا ردود على جعجع
يتناسق كلام المصدر مع توقّعات بعض الذين التقوا الرئيس برّي في اليومين الماضيين في الاتّفاق على أنّه ما زال مصرّاً على أن لا خطة “ب”، ويتمسّك بالمرشّح، الذي أيّده هو و”حزب الله”، سليمان فرنجية. لدى هؤلاء انطباع أنّ انتخاب رئيس الجمهورية ليس قريباً على الرغم من كلّ المواعيد التي تُضرب. ومع ذلك يردّد برّي أنّ حظوظ فرنجية تقدّمت، ويكرّر ما نُسب إليه بعد لقاء الأخير السفير السعودي وليد بخاري، من أنّه كان لقاءً إيجابياً وجيّداً ومريحاً خرج منه فرنجية مرتاحاً كثيراً. لكنّه يشير في الوقت نفسه إلى أنّه “تقدُّم جيّد لكنّه غير كافٍ مستخدماً العبارة الفرنسية necessaire mais pas suffisant “. يُستنتج من ذلك أنّ إنجاح خيار فرنجيّة يحتاج إلى مزيد من العمل والاتّصالات.
يؤيّد برّي وفق زوّاره وصف المهلة التي جاءت في حديثه عن وجوب انتخاب رئيس في مهلة أقصاها 15 حزيران بأنّها “مهلة حثّ” وليست مهلة إسقاط. ولا تفوته الإشارة إلى الحملات ضدّه، ومنها انتقادات رئيس حزب “القوات” سمير جعجع في شأن عدم دعوته إلى جلسة انتخاب، فيؤكّد أنّه قرّر ألّا يردّ عليه وعلى تلك الحملات في وسائل الإعلام.

أزعور مرشّح باسيل منذ البداية
بالموازاة يكرّر رئيس البرلمان دعوته القوى الأخرى إلى الاتّفاق على اسم مرشّح من أجل النزول إلى البرلمان لانتخاب رئيس. وحين قال له زوّاره إنّ ما يُنشر في وسائل الإعلام عن الاتصالات بين القيادات المسيحية والقوى المعارضة لخيار فرنجية يشير إلى أنّهم اقتربوا من التفاهم على اسم، وأنّ اسم مدير الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي الوزير السابق جهاد أزعور صار متقدّماً، شكّك في ذلك. فَهِم محدّثو برّي أنّ “أزعور مرشّح باسيل منذ البداية، وهو لم يتوقّف عن طرحه، لكنّ جعجع يتحفّظ عليه”. إلا أنّ أحد زوّار برّي عاجله بالقول إنّ أزعور من أصدقائك، فأجاب أنّ لديه “الكثير من الأصدقاء، لكنّ هذا مختلف عمّن أريده” (للرئاسة).

ليس هناك إذا… فلننتخبْ الرئيس
يقول زوّار رئيس البرلمان إنّهم أثاروا معه الاستحقاقات التي على السلطات الوفاء بها، سائلين ما العمل إذا لم يُنتخب رئيسٌ وجاء موعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟ يردّ حاسماً: “ليس هناك إذا. فلننتخب رئيساً بسرعة. هذا هو الحلّ الوحيد”. وتعليقاً على ما يُحكى عن مخارج قانونية تقضي باستخدام مادّة في قانون النقد والتسليف تقضي بتعيين النائب الثاني للحاكم (السنّي) بحجّة “غياب” الحاكم الأول وسيم منصوري (الشيعي) الذي يرفض برّي والقيادات الشيعية تسلّمه الحاكمية في حال لم يتمّ تعيين حاكم جديد، يشدّد زوّار برّي على أنّه على الرغم من كفاءة منصوري لا يريد هذا الأخير تسلّم المنصب، وسبق لرئيس المجلس وسائر القيادات أن طالبوه بذلك. وليس في حسابات برّي أن تعيّن الحكومة الحالية حاكماً جديداً. فهو يردّد: “إنّي قلت ذلك قبل أسبوعين ثمّ قاله السيّد نصر الله. وهذا موقف واضح. لا يجوز تعيين حاكم قبل انتخاب الرئيس، الذي يجب أن يكون له رأي أساسي في التعيين في هذا المنصب المهمّ”.

ينسب زوّار برّي إليه استبعاده أن تخرج القمّة العربية، على أهميّتها وعلى الرغم من أنّ البند اللبناني مطروح فيها، بمبادرة ما في شأن الأزمة في البلد لأنّ الوضع مختلف عن السابق، لكنّه يعلّق أهميّة على الحضور اللبناني فيها من زاوية دعم لبنان ومساعدته. ولذلك نوّه بالكلمة التي ألقاها وزير الاقتصاد أمين سلام يوم الإثنين، خلال اجتماع المجلس الاقتصادي الاجتماعي التمهيدي لاجتماع القمّة، إن لجهة إثارته مسألة انخراط لبنان العربي، أو لجهة طرحه لقضية النازحين، مشدّداً على أنّ الدول العربية لن تترك لبنان. ويشير الزوّار إلى تعليق برّي أهميةً على حضور الرئيس السوري بشار الأسد القمّة لأنّه يساهم في لمّ الشمل العربي.

اترك تعليق