كان واضحاً أمس فرز المواقف في قضية هي بين الأخطر في تاريخ لبنان المالي والنقدي: إقالة حاكم البنك المركزي! إذ أعلن الثلاثي المسيحي (القوات، الكتائب والتيار) بوضوح وبلا أي تردد “ضرورة اقالته فوراً إذا لم يستقل من تلقاء نفسه”، في ما يشبه الضوء الأخضر لانعقاد جلسة طارئة لمجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب من دون تأجيل، “وإلا ستزداد صورة لبنان قتامة في المحافل العالمية بعدما صدرت مذكرة توقيف دولية بحق سلامة من القاضية الفرنسية أود بوريسي عندما ادّعى القضاء اللبناني انه لم يجده لتبليغه بوجوب المثول امامها الثلاثاء الماضي”.
وتضيف المصادر أن “الأخطر يكمن في تهديد علاقات لبنان بالمؤسسات المالية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وامكان تعرض لبنان لعزلة مالية اذا قررت المصارف المراسلة التوقف عن التعامل مع قطاع مصرفي ونقدي على رأسه حاكم متهم بتبييض الأموال”، وفقاً لما ورد أيضاً في بيانات المطالبين بإقالة الحاكم. الى ذلك أصدر 10 نواب تغييريين وعدد من جمعيات المجتمع المدني وقوى سياسية معارضة بيانات مختلفة تقاطعت جميعاً عند طلب إقالة سلامة ومحاسبته، كما محاسبة كل المتورطين في الفساد الواسع النطاق الذي أدى الى الأزمة الكارثية التي يتخبط فيها لبنان منذ أكثر من 3 سنوات مع امعان في انكار المسؤولية عما حصل.
في المقابل، بدت المواقف رمادية على ضفة فريق الممانعة وعلى رأسه الثنائي الشيعي، إذ ساد صمت على قاعدة “كاد المريب أن يقول خذوني”، لا سيما بعدما سقطت ذريعة رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن “الموقع ماروني والكلمة فيه للموارنة أولاً”، فإذا بالموارنة يقولون له بالفم الملآن “مصلحة لبنان فوق كل اعتبار”. وكشفت مصادر متابعة ان فريق الممانعة يحاول “تطييب خاطر سلامة وطمأنته على أمل ان يستقيل من تلقاء نفسه، مع وعد بحمايته لاحقاً لا سيما في محاكمة محلية لا تصل الى تكبيله وسجنه”!
أما رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي فقد عبَّر عنه نائبه سعادة الشامي في تصريحات لوكالات الأنباء العالمية تناقلتها مواقع كبريات الصحف الدولية مساء أمس، وهي المطالبة صراحةً باستقالة الحاكم و/أو دعوة مجلس الوزراء للإنعقاد واتخاذ قرار الإقالة”، مع تحذير صريح من مغبة بقائه في منصبه وخطر تهديد علاقات لبنان مع مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد. وتصريح الشامي مقصود في ما يشبه الرسالة الى المجتمع الدولي بأن الاتجاه هو الى اتخاذ قرار في هذه القضية.
أما سلامة نفسه وفي حديث لمحطة “الحدث” فبدا وعلى عادته منذ سنوات طويلة يعيش الانكار الكامل، مؤكداً أنه مستمر في منصبه حتى نهاية ولايته آخر تموز المقبل، وانه يرعى الاستقرار النقدي والمصرفي، واعداً برد الودائع لاصحابها. وكان لافتاً قوله ان من يهاجمه لا يجرؤ على مهاجمة السياسيين، داعياً القضاء للبدء في التحقيق مع السياسيين قبل التحقيق معه. وفي موقف غريب يؤكد انه بات يهدد علاقة لبنان مع الممولين الدوليين، اتهم سلامة البنك الدولي بالغباء لأنه اصدر تقريراً ينتقد فيه منصة صيرفة، ما دفع مراقبين للقول اننا بتنا أمام “حالة نفسية مرضية خطيرة لا يمكن السكوت عنها”.