على رغم أن قمة العودة في الشكل وابن سلمان في المضمون، التي تحمل الرقم خمسين، اذا ما جمعنا بين القمم الطارئة والعادية، والتي سيبين الوقت طابعها التاريخي نتيجة لتداعياتها، الا ان الاخيرة اتت مختلفة بكل المعايير، نتيجة الظروف والتطورات الحاصلة في المنطقة، من اتفاقات و»تسويات»، انجزها راعيها، من منطق «تصفير المشاكل»، بعدما ارسى اتفاق بكين اسس التفاهم بين الرياض وطهران، ما يبقي تردداتها حاضرة شكلا ومضمونا على اكثر من ساحة منها بالطبع لبنان.
فما شهدته القمة من تطاير للرسائل، الواضحة والمشفرة، الى اكثر من جهة دولية، حيث امسكت الرياض العصا «من النص، فحافظت على علاقاتها مع واشنطن باستقبالها الرئيس زيلنسكي، ومع موسكو، بالترحيب ببرقية الرئيس بوتين، وبالحفاوة بالرئيس الاسد الذي انتقد بعنف الولايات المتحدة ومن خلفها «صديق العرب اللدود» العثماني الجديد، وحليفه القطري الاخونجي، وهنا بيت الراحة السعودي، حيث خرجت الدوحة من القمة الخاسر الاكبر.
فلبنان غاب عن كلمات القادة والرؤساء العرب، ومن انتظر ان يسمع كلمة عن هذا الوطن الموجود على الخارطة العربية، اصيب بالخيبة، لتبقى الاطراف الداخلية حتى الساعة متفرجة على التحولات المحيطة، غير قادرة على فكفكة طلاميسها، خصوصا بعد موجات التسريبات عن مسودة بيان ختامي، كذبت النبؤات حوله، لتتغير خلال ساعات وتنقلب صورة المشهد في بيروت، رغم ان ردود الفعل في بيروت لم تبلع المشهد او تهضمه حتى اللحظة، حيث سارع اكثر من طرف الى التواصل مع الخارج للوقوف على حقيقة ما حصل.
فعلى ما يبدو ان اجواء الصدمة التي عاشها لـ24 ساعة اركان قوى الرابع عشر من آذار سابقا، عادت وتبددت مع صدور المقررات الختامية، التي الغت مفاعيل ما كان سبق ان صدر طوال النهار عن مسودات مقررات، ابرز ما جاء فيها عن «حق تحرير الأرض» راى فيه البعض بندا صالحا للبيان الوزاري القادم، بعدما نجح فريق الثامن من آذار في اللعب على اعصابهم.
مناسبة هذا الكلام، المقررات التي صدرت، والتي تناولت لبنان في فقرتين، الاولى، بقيت في اطار التمنيات، مع حثها «السلطات اللبنانية على مواصلة الجهود لانتخاب رئيس للبلاد، وتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، وإجراء إصلاحات اقتصادية للخروج من الأزمة الخانقة»، اما الثانية فهي الاهم، ومضمونها «الرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة»، والتي تخطت لبنان لتصل الى السودان، حيث انها بالنسبة للكثيرين «حمالة اوجه»، تحمل تفسيرات تبلغ حد التناقض.
مصادر ديبلوماسية متابعة، اشارت الى ان البند واضح، اهميته انه جمع هذه المرة وساوى بين الدول الاربع، لبنان، العراق، اليمن، سوريا، والسودان، وقد قصد فيه القادة العرب الجمهورية الاسلامية دون تسميتها، قد يكون من باب «المسايرة» وحسن النية، كاشفة عن اهمية هذا البند والاجماع حوله بحضور سوريا.
وتابعت المصادر بان كلمة لبنان، التي كالعادة لم تخل من «النق والشحادة» جاءت مغايرة للجو العام، حيث ارتكبت بيروت اكثر من «فاول» خصوصا حين ربطت بين عودة النازحين السوريين واعادة الاعمار في سوريا، وهي نقطة خلافية كبيرة ومعقدة مع الجانبين الدولي والعربي، من جهة، وبينها وبين مسالة انتخابات رئاسة الجمهورية.
اوساط في الثامن من آذار قللت من اهمية ما صدر، بداية كون مقررات الجامعة العربية لطالما بقيت حبرا على ورق، مضيفة ان شيئا لم يتغير بين البيان الختامي وما حكي عن انه السودان، ذلك ان ما نسب الى الاخيرة، هو نقاط طالب الوفد اللبناني باضافتها وادراجه، ولم يقرها وزراء الخارجية العرب، حتى ان اي خلاف لم يحصل بينهم حول ادراجها، ليترك امر البت بها للقمة، وهو حال جميع المقررات الـ32.
وختمت الاوساط بالقول ان ما حصل لن يترك اي تداعيات على الاتفاق السعودي – السوري، مشيرة الى ان من يراجع ادبيات المقررات التي صدرت طوال فترة الـ11 سنة الماضية، حيث كانت تسمى ايران بالاسم يلحظ التغيير الحاصل والتخفيف من اللهجة، وهو امر طبيعي في فترة بناء الثقة.
فهل المطلوب ان يبقى لبنان خارج الجو الاقليمي الجديد، والثورة التي اطلقها الامير ابن سلمان؟ وهل تغييب لبنان عن الكلمات يعني انه لم يعد اولوية، خصوصا انه لم ياخذ باقتراح ولد ميتا يقضي بتشكيل لجنة لتنفيذ البند الخاص بانتخاب رئيس للجمهورية؟