تعقّدت الأمور الرئاسية على جبهة المعارضة من جديد، بعد حراك متقدّم في الأسبوعين الماضيين، أعطى نفحة تفاؤلية على قرب اتفاقها مع ” التيار الوطني الحر” على مرشح رئاسي، يحظى بأكثرية مسيحية ومدعوم من عدد من الأفرقاء باستثناء الثنائي الشيعي، ما يشكل ضغطاً على الفريق المقابل.
حملت بداية الأسبوع إشارات عديدة تدلّ على عودة الأمور الى المربع الأول، بعد رسائل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، والذي عبّر فيها بوضوح عن عدم رضاه على سير الامور، ليليه “التيار الوطني الحر”، نافضاً يديه من ايّ اتفاق كثر الحديث أنّه تمّ التوصل اليه.
و ما زاد الإرباك الداخلي هو الحراك العربي الذي تمثل بحضور الرئيس بشار الأسد القمّة العربية، وحضور لبنان الرمزي على جدول هذه القمّة، وما تلاه من مواقف نقلت عن السفير السعودي في لبنان وليد البخاري تحمل إشارات واضحة أنّ السعودية لن تعارض وصول أيّ مرشح للرئاسة ولن تضع فيتو على أحد.
هذه التطورات بدت بحسب “النهار”، وكأنّ المعارضة عادت وخسرت جولة أخرى من معركتها، وأنّ الفريق الآخر كسب نقاطاً إضافية، وحججاً أخرى للتمسّك بمرشّحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي يتقدّم بخطى ثابتة صوب بعبدا برأيهم.
وفي هذا الإطار لا تخفي المعارضة، أنّ هذ التطورات قد أثّرت على حراكها المتقدّم وإعادته خطوة الى الوراء، إلّا انّها ترفض الحديث عن هزيمة، وتشدّد على معركتها المستمرة، ولا زال لديها العديد من الاوراق تلعبها لمنع وصول مرشح “حزب الله” إلى بعبدا.
ولا يزال النصاب وتعطيله، هو من أهمّ الأوراق التي تلوح بها لإفشال أيّ جلسة، وهي بحسب أكثر من مرجع معارض مرتاحة لتجاوب 43 نائباً لن يؤمّنوا النصاب وسيقاطعون أيّ جلسة محسومة النتائج لصالح مرشح “الممانعة”، هذا بالإضافة الى تكثيف حواراتها مع عدد من المكوّنات ومنهم المكوّن السنّي الذي لا يزال في موقف وسطيّ، ولم يأخذ طرفاً وهو بإمكانه التأثير وتغيير المجريات كافة”.
وحتى الساعة لم تقطع الأطراف المعارضة الأمل من التفاهم مع “التيار الوطني الحر” على الرغم من التصريحات الأخيرة لعدد من نواب التكتّل، الذين أوحوا أنّ الجرّة انكسرت بين الجهتين، ولا يزال هناك من يراهن على التقاء معين، خصوصاً أنّه بدا من الواضح أنّ هناك رأيين من ضمن الكتلة النيابية للتيار، فكلام جبران باسيل وحركته ورسائله تختلف عن كلام ألان عون وإبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا والياس بوصعب، وتكوّنت لدى الأطراف شبه قناعة أنّ الأمر أبعد من توزيع أدوار إنّما خلاف جدّي، وهذا ما أوحى إليه رئيس حزب الكتائب سامي الجميل عندما ترك الباب مفتوحاً مع باسيل، مشيراً الى أنّه لم يتلقَّ أيّ موقف واضح ينهي الحوار بين الجهتين.
يعترف المعارضون أنّ الجهد المالي الذي وضع في الأيام القليلة الماضية قد بدأ يفعل فعله على عدد من النواب ويغيّر في مواقفهم، إلاّ أنّهم في المقابل يشيرون الى أنّ مرشح “الممانعة” لم يستطع بلوغ الـ65 صوتاً حتى اللحظة، وهنا تبرز يعض التباينات ضمن الأطراف المعارضة، ففي حين يعتبر البعض أنّ فرنجية أضحى قريباً جدّاً من هذا الرقم، وخصوصاً بعد ما نقل عن جدية النواب الخمسة في التيار في الذهاب نحو هذا الخيار إذا لم يقتنع باسيل بترشيح أحدهم، وبين من يعتبر أنّ هذا الرقم لا يزال بعيداً جدّاً عن المنال بحسب “القوات اللبنانية” الواثقة من هذا الرأي، كما بدا لافتاً على عكس السائد أنّ هناك اطمئناناً لموقف وليد جنبلاط رغم كلّ ما يشاع عن قبوله لفرنجية.
وللموقف السعودي أيضاً قراءاته المختلفة بين أفرقاء المعارضة، في حين يبدي جزء تخوّفاً من تطوّره في اتّجاه الدفع نحو انتخاب فرنجية، يبدو فريق آخر مرتاحاً، باعتبار انّ السعودية قالت ما قالته، ومن كان ينتظر إعلاناً سعوديّاً بالموافقة على المبادرة الفرنسية، وبات من المؤكّد انّ المملكة لن تتدخّل مع أحد وتفرض عليه أمراً، واللبنانيّون أدرى بشعابهم، وبالتالي لن يكون لها كلّ يوم موقف جديد، وهذا الموقف لن يدفع أحداً للتراجع عن رأيه.
وبالنسبة إلى المعارضين تبقى الخطة الأساسية والاستراتيجية في الصمود وعدم التراجع، ما يمنع من فرض مرشّح عليها، وفتح الأمور من جديد للتحاور والنقاش على اسم لا يحمل فرضاً ولا مواجهة، مذكّرين أنّه عندما صمد قادة آذار نجحوا وعندما بدأوا بتقديم التنازلات خسروا.
في المحصّلة، على الرغم من التراجع لا يزال لدى المعارضة قدرة على التحرّك، وأقلّه على التعطيل، ولا زالت فرص التقدّم نحو إنهاء الشغور شبه معدومة، وأنّ كلّ ما يجري تداوله عن اقتراب الموعد تمنّيات بعيدة عن الواقع.