لم ينتظر وزير العدل هنري خوري الصباح لإصدار بيانه التحذيري، بل أصدره ليلاً، بعد ما تمّ تسريبه من مغالطات حول إجماع الوزراء على قرارات اللقاء التشاوري الوزاري التي أفضت إلى ترحيل ملف سلامة إلى القضاء المختص في نهاية الاجتماع! الّا انّ العكس كان الصحيح! والدليل، انّ اي بيان نهائي لم يصدر عن الاجتماع!
مصادر وزارة العدل توضح سبب إصدار البيان في ساعة متأخّرة ليلاً بالقول، انّ خوري كان يدرك مخاطر النشرة الحمراء التي صدرت بحق حاكم مصرف لبنان وتداعياتها على الدولة اللبنانية ككيان، بخاصة انّ ما تمّ التداول به حول محضر اللقاء الوزاري لم يكن دقيقاً، كاشفة بأنّ وزير العدل صدّ مع مجموعة من الوزراء محاولة تمرير محضر جلسة أمس التي أرادت إحالة ملف سلامة إلى القضاء اللبناني دون سواه لإجراء المقتضى، وذلك بغية التهرّب من المسؤولية الفعلية، فاعترض وزير العدل على صدور البيان الختامي الذي أراد تحميل العدلية المسؤولية السياسية لما آلت اليه محاولات الحماية السياسية المستمرة لحاكم مصرف لبنان، ولو على حساب هدم الهيكل على رؤوس اللبنانيين والدولة اللبنانية.
في المعلومات، انّ الجلسة سادها التوتر، وقد خيّم الوجوم على وجوه الوزراء بمن فيهم رئيس الحكومة، الذي بدا صافناً في أغلب الاوقات وفق وصف احد الوزراء الحاضرين، وبدا حائراً لفترة طويلة من الوقت، فيما حاول إقناع الوزراء بضرورة إحالة موضوع سلامة إلى القضاء المختص للتصرّف بما تبقّى من مدة لسلامة في الحاكمية، ولأنّ قانون النقد والتسليف يعيق إقالة الحاكم، ولأنّ الاخير يبدو انّه تواصل مع ميقاتي ورفض التسليم والاستقالة طوعياً.
في المعلومات، انّ القرار تصدّى له بعض الوزراء ومن أبرزهم نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، الذي كان وظلّ مصرّاً على موقفه من ضرورة إقالة سلامة. وبرأي البعض، انّ ذلك يعود للمفاوضات التي يجريها الشامي مع الوفود الاوروبية وصندوق النقد الدولي … وسانده في قراره وزير العدل هنري خوري، الذي رفض بشكل لافت إحالة الموضوع إلى العدلية، وقد تُرجم هذا الامر بمطالبة خوري أمام الجميع بضرورة إقالة سلامة حتى لو اعترض الامر مخالفة لقانون النقد والتسليف، بحجة انّ النشرة الحمراء التي صدرت بحق سلامة تتخطّى في طياتها مسألة خرق القوانين. وطالب خوري بالمقابل ترك الأمر لسلامة، بمعنى رمي الحجر في ملعب سلامة. فإذا لم يوافق على الاستقالة الطوعية فليعترض على قرار الإقالة أمام مجلس شورى الدولة.
من جهة أخرى، كان لميقاتي رأي آخر، إذ اعتبر انّ قرار إقالة سلامة شعبوي، وبرأيه انّ المرحلة ليست للقرارات الشعبوية بل يجب التبصّر والتفكير واحترام الدولة ومؤسساتها وقضائها. ورأى ميقاتي بوجوب احترام الاصول القضائية للدولة اللبنانية واتباعها، بغض النظر عن حجم الملف القضائي. إلّا انّ وزير العدل أصرّ على اعتراضه، مطالباً ميقاتي والوزراء باتخاذ قرار إقالة سلامة بالإجماع، لأنّ الوضع برأيه سيتدحرج وستقوم الدول الاوروبية متّحدة باتباع الخطوات الفرنسية، ولذلك يجب على الحكومة إقالته وعدم التردّد او التأخّر في اتخاذ قرار الإقالة، لأنّه مهمّ معنوياً امام الدول الكبرى والمعنية، التي تطالب اليوم بتنفيذ النشرة الحمراء وبتوقيفه، والتي تشكّك بنزاهة الحاكم الاول لمصرف لبنان المركزي، وحتى ولو طُعن لاحقاً في قرار الإقالة.
الثنائي الشيعي : ما بتحرز !
اما بالنسبة للوزراء الذين ايّدوا موقف خوري بالإضافة إلى نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي هم: امين سلام، ناصر ياسين، نجلا رياشي، جورج كلاسي، وليد نصار وحتى وزير الداخلية بسام المولوي، الذي قال لوزير العدل أثناء مغادرته الاجتماع: «أويّدك بالذي قلته». اما وزراء «الثنائي الشيعي» فقد لعبوا دور المتفرّج الذي علّق بضرورة إحالة سلامة إلى القضاء اللبناني المختص وليس إقالته «لأنو ما بتحرز».
اما المفاجأة، فكانت من قِبل بعض وزراء التيار الذين غاب بعضهم. اما البعض الآخر فلم يعلّق على وجوب إقالة سلامة ومنهم الوزير هكتور حجار الذي نفى لاحقاً التسريب الاعلامي عن رفضه إقالة سلامة من خلال تغريدة اكّد فيها تأييده مبدأ الإقالة او استقالة سلامة، الّا انّ الشهود خلال الجلسة لم يلاحظوا ذلك…
وفي السياق، تشير المعلومات، انّ رئيس الحكومة كان حائراً ومنزعجاً طوال امس، خلال استقباله زواره. وبحسب رواية أحد هؤلاء، انّ ميقاتي لم يكن يدرك حجم ردّة الفعل الاوروبية المتسارعة بعد صدور النشرة الحمراء، فيما ترجح اوساط قضائية مطلعة، انّ الايام المقبلة ستشهد تحولاً سريعاً في مواقف المسؤولين الذين اعترضوا على إقالة سلامة لأنّهم سيعيدون النظر!
بخاصة مع نداءات الاستقالة التي تعالت اليوم من غالبية النواب، وهذا معناه انّ الضوء الاخضر انطلق خارجياً وداخلياً.
في الموازاة، ترى مصادر قضائية مطلعة، انّ سلامة حُشر في الزاوية ولم يعد بإمكانه الخروج من النفق او التلاعب، لأنّه ومن المتوقع ان تلحق 17 دولة اوروبية فرنسا في قرارها. اما عن المعلومات التي يروّجها البعض عن الموقف الاميركي، والتطمينات بأنّ المصارف الرئيسية الاميركية ما زالت تراسل المصرف المركزي وهي الأساس، وهي لم تأخذ قراراً بتوقف التعامل مع المركزي، ولذلك فإنّ لبنان لن يتأثر بالمراسلات النقدية الاوروبية! فتتساءل تلك المصادر، كيف سيراسل 80 الف تلميذ المصارف لجامعاتهم ومراكز دراستهم في اوروبا وفرنسا والمانيا؟ وكيف سيتصرفون ويراسلون عائلاتهم إذا أوقفت المصارف الاوروبية المراسلات مع المصارف اللبنانية! بخاصة انّ اللبنانيين يتوجّهون ذهاباً وإياباً يومياً إلى الدول الاوروبية ويتعاملون بالشيكات الاوروبية، الامر الذي قد يشكّل ازمة؟
وتضيف المصادر، صحيح انّ وقف المراسلات الاميركية النقدية قد يشكّل أزمة بالنسبة للتجار والصناعيين، انما المراسلات النقدية الاوروبية ستشكّل ايضاً أزمة للعائلات اللبنانية والطلاب. كما اشارت المصادر، انّه لا يمكن التكهن بالموقف الاميركي المستقبلي أمام تدحرج الحَجر الاوروبي النقدي تجاه لبنان. وتتساءل: هل ساعتئذ ستبقى الثقة الاميركية بالقطاع المصرفي اللبناني؟ وهل ستستمر الولايات المتحدة بتأمين الحماية والتغطية للمصرف المركزي او لحاكم مصرف لبنان؟
وفي السياق نفسه، تتساءل المصادر نفسها عن عنوان زيارة السفيرة الاميركية لميقاتي امس، سببها وهدفها، هل جاءت لتهنئ ميقاتي على موقفه من حماية سلامة أم للاطمئنان إلى «صحة» قراره؟! وما علاقة المذكرة التي اصدرها مساء امس نائب رئيس الحكومة، والتي تقضي بإدراج ملف حاكم مصرف لبنان على جدول اعمال الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء؟! وهل من علاقة للمذكرة بزيارة السفيرة الاميركية؟!