لم يقُد “الهايكينغ” الرئاسي منذ نهاية ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول 2022 إلّا إلى حائط مسدود. فالعقل التوافقي لإنتاج رئيس لم يُفَعّل جدّيّاً بعد و”الأمر” الإقليمي الدولي لم يُرصَد على رادار التسوية المُنتظَرة.
مضت سبعة أشهر من المفاوضات المتعدّدة الاتجاهات سقطت خلالها أسماء عدّة مرشحين آخرهم الوزير السابق جهاد أزعور، فيما أبقت سليمان فرنجية مرشّحاً ثابتاً ووحيداً في أجندة الرئيس نبيه بري وحزب الله وحلفائهما.
أوساط معنيّة بالملفّ الرئاسي: “آلان عون طرح مواصفات قد تشكّل خرقاً في الحائط الرئاسي بعد سقوط معادلة مرشّحي المواجهة. فهل يمكن الحزب أن يرفض ترشيح شخصية تحظى بقبول مسيحي ولا تستفزّ حزب الله ولا يملك الأخير مآخذ جدّيّة عليها؟”
يصعّد حزب الله في مواقفه إلى حدّ تسليم النائب محمد رعد بأنّ “لنا الحقّ في انتخاب من نشاء رئيساً للجمهورية ولنا مرشّحنا الطبيعي الذي نريد أن يكون صلة الوصل مع خصومنا السياسيين”. وفي ردّ مباشر على باسيل والمعارضة قال: “التذرّع ببرنامج الرئيس مزحة على البعض أن يتركها جانباً، فالرئيس ليس صاحب البرنامج بل مجلس الوزراء مجتمعاً”.
شغور حتّى نهاية العام
لكنّ هذا المسار المتعثّر أفرَز معادلة أساسية يُقرّ بها معنيون بالملفّ الرئاسي: لا خرق رئاسيّاً إلا بمرشّح مقبول مسيحياً وغير مرفوض شيعياً ومتوّج بتوافق خارجي عليه. عدم التوصّل إلى إنتاج هذه المعادلة حتى الآن هو ما يفسّر اصطدام كلّ القوى السياسية والحزبية بحائط مسدود أخطر ما فيه أنّ “سماكته” تنبئ بشغور رئاسي قد يطول حتى نهاية العام ويتخطّى المهلة الافتراضية التي وضعها الرئيس بري لجلسة رئاسية “منتجة”.
الفرنسيّون لباسيل: تمسّك بفرنجيّة
يوم الثلاثاء التأمت الهيئة السياسية في التيار الوطني الحرّ برئاسة جبران باسيل العائد لتوّه من باريس ومن لقاء غير مثمر مع المستشار الرئاسي باتريك دوريل.
ليس من عادة باسيل وضع فريقه النيابي في تفاصيل حركته السياسية ولقاءاته، لكنّ زبدة ما فهمه نواب التكتّل أنّ “الفرنسيين ما يزالون على خيارهم الرئاسي المؤيّد لسليمان فرنجية طالما لم يتمّ إنتاج مرشّح تتوافق عليه القوى المسيحية الكبرى والمعارضة ويحرِج الجهات الداعمة له”.
لم يكن طبق النقاش الأوحد في اجتماع الهيئة السياسية زيارة باسيل لفرنسا بل “القنبلة” التي فجّرها النائب آلان عون ليس بإعلانه طيّ صفحة أزعور فحسب، بل بإدخال تكتّل لبنان القويّ على ملعب التسميات مباشرة حين أكّد أن “لا اتفاق مع المعارضة على مرشّح بوجه الثنائي الشيعي إلا إذا كان من داخل تكتّل لبنان القوي لأنّه لا يُعتبر حينها استهدافاً لهما، وأمّا الاتفاق على مرشّح مستقلّ فيحتاج إلى توافق مع الثنائي”.
عون يَكسر “التابو”
تقول مصادر في التكتّل لـ “أساس”: “آلان عون قدّم وصفة للحلّ وكَسَر “التابو”. نظرية مرشّح المواجهة ضدّ “الثنائي” لن يسير بها التيار الوطني الحرّ والدليل سقوط ورقة جهاد أزعور. لكنّه بحديثه عن شخصية مسيحية تشكّل نقطة تلاقٍ مع الطرف الشيعي لم يكن يقصد فقط شخصية من داخل التكتّل، بات معروفاً أنّ المقصود بها النائب إبراهيم كنعان المدعوم من البطريرك الراعي، بل أيّ مرشّح مدرج ضمن لائحة بكركي ولا يُسوَّق بخلفيّة حزبية ويكون مقبولاً شيعياً”.
لم يغادر نقاش الكواليس داخل التيار حتى الآن بقعة المفاضلة بين خيارَيْ تبنّي ترشيح شخصية مسيحية مقبولة شيعياً يضغط بعض نواب التيار على أن تكون من داخل التكتّل، وهو ما ينزع فتيل المواجهة مع الحزب
تستغرب المصادر مواقف القوات المتسرّعة “والتي تدلّ على عدم جدّيّة ورهان على مزيد من التدهور أو عدم الرؤية، خصوصاً حين اعتبرت كلام آلان عون يخدم حزب الله، فيما موقف القوات بحدّ ذاته يخدم حزب الله بإلباس معراب تهمة التعطيل والتعنّت ومنع الوصول إلى حلّ”.
في المقابل تجزم أوساط معنيّة بالملفّ الرئاسي: “آلان عون طرح مواصفات قد تشكّل خرقاً في الحائط الرئاسي بعد سقوط معادلة مرشّحي المواجهة. فهل يمكن الحزب أن يرفض ترشيح شخصية تحظى بقبول مسيحي ولا تستفزّ حزب الله ولا يملك الأخير مآخذ جدّيّة عليها؟”.
عمليّاً، لا أحد مستعدّ حتى اليوم للنزول عن حصانه. لكنّ، وفق الأوساط، “التعنّت القوّاتي في رفض شخصية مسيحية، قد تكون من داخل التكتّل، ولا تشكّل حساسيّة لحزب الله، يعطي باسيل وجعجع مزيداً من الوقت للمناورة ورفع السقوف وتكريس طموحاتهما وحساباتهما الشخصية على حساب التوافق وقذف الاستحقاق إلى تواريخ قد تبقى في علم الغيب السياسي”.
بين باسيل ونوّابه
عونيّاً، ما يزال العقل الباطني لدى باسيل يفتي بالآتي: “إذا كان من فرصة لترشيح نائب من داخل التكتّل فأنا الأَولى بالكرسيّ”. يغلّف باسيل قناعته بحجّة يذكرها أمام نوّابه وفيها أنّه “إذا لم تتوافر الظروف أو الفرصة لترشيحي فإنّ الأمر ينسحب على كلّ النواب الموارنة في التكتّل”.
لكنّ المقاربة المضادّة في ميرنا الشالوحي تفتي بالعكس: “الفرصة ليست متاحة لجبران باسيل وحده، وليست كذلك للنواب الآخرين في تكتّله، والمحاولة مشروعة”. رفض باسيل حتى الآن لترشيح شخصية من داخل التكتّل هو موقف شخصيّ محض يُحرّم هذا النوع من “المحاولات” التي تنذر بمزيد من التصدّعات الحزبية الداخلية والفرز الحادّ الذي قد يحوّل تكتّل لبنان القوي حين يحين أوان الاستحقاق إلى أصوات مشتّتة في صندوق الاقتراع.
خياران فقط
لم يغادر نقاش الكواليس داخل التيار حتى الآن بقعة المفاضلة بين خيارَيْ تبنّي ترشيح شخصية مسيحية مقبولة شيعياً يضغط بعض نواب التيار على أن تكون من داخل التكتّل، وهو ما ينزع فتيل المواجهة مع الحزب، ومسعى التقاء المعارضة حول مرشّح بوجه الثنائي الشيعي، فيما الموقف الرسمي للتيّار تُرجِم بعد خضّة تصريحات عون في البيان الصادر أمس عن اجتماع الهيئة السياسية الذي أكّد “استمرار التيار في الحوار القائم مع الكتل المعارضة من دون أيّ تراجع من قبله عمّا تمّ الاتفاق عليه حتى الآن بغية التوصّل إلى مرشّح غير مستفزّ”.
من فرنسا ثبّت باسيل معادلته الرئاسية: “بترفضوا اسم، في ثاني، وثالث، وما بتخلص الأسامي يللي ممكن يصير في توافق جزئي أو كامل عليها مسيحي أو وطني”. لكن حتى الآن لا يبدو باسيل بوارد التسويق لأيّ نائب من داخل تكتّله مع علمه بتبنّي بكركي لاسم إبراهيم كنعان.
تنسيق سطحيّ
في سياق آخر يَصف مطّلعون مستوى التنسيق الرئاسي بين التيار والقوات بـ”السطحي” وأنّه “عبارة عن “خود اسم وجيب اسم” بغياب قرار سياسي واضح لكسر جليد المسافات. حتى لقاء الياس بو صعب مع جعجع هو بمنزلة لقاء بين “ممثّل” برّي ورئيس حزب القوات، فيما القناة الجدّيّة الوحيدة والمنتجة التي تحتاج أيضاً إلى ضوء أخضر مسيحي مشترك لتفعيل