بعد ثماني سنوات، أقفلت المحكمة العسكرية أمس ملف أحداث طرابلس التي ذهب ضحيتها ضباط وعسكريون في الجيش عام 2014، وأحداث بحنين التي قتل فيها عدد من الضباط، وأصدرت حكما بالسجن 10 سنوات على الشيخ خالد حبلص وبين ستة أشهر وسنة على بقية المدعى عليهم في الملف الأول، وخمس سنوات على حبلص والموقوف علاء الطيبة في الملف الثاني. أما باقي المدعى عليهم فتوزّعت أحكامهم بغالبيتها على 3 سنوات باستثناء مجد الأحمد الذي حُكم بالبراءة. فيما حكم بالمؤبد على أسامة بخاش والإعدام لمحمد نقوزي و5 سنوات للعريف حسين عياص بجرم المشاركة في المعارك التي أودت بحياة ضابطين.
كذلك أصدرت المحكمة حكماً بالمؤبد على المسؤول عن معظم تفجيرات الضاحية الجنوبية في العقد الماضي نعيم عباس وناقل الانتحاريين عمر الأطرش بجرم المشاركة في تفجيرين ضد حاجزين للجيش في صيدا عام 2013، وأنزلت عقوبة الإعدام بعمر صالح، وقرّرت كف التعقبات عن الموقوف وسام نعيم.
وكان الشيخ خالد المحمّد الملقّب بخالد حبلص «نجم» المحكمة العسكرية أمس. أكثر من ساعتين ونصف ساعة خُصّصت لأربع جلسات تمّ الاستماع إلى إفادته فيها، وإفادات بقية المدّعى عليهم ومرافعات ختاميّة لوكلاء الدّفاع.
ad
أعاد حبلص على مسمع رئيس المحكمة العسكريّة الدائمة العقيد خليل جابر ما يكرّره منذ توقيفه في نيسان 2015 بأنّه لم يدعُ إلى قتال الجيش في بلدة بحنّين ولم يعتنق يوماً الفكر المتشدّد أو يتقرّب من التنظيمات التكفيريّة. إلا أن إمام مسجد بحنين لم ينكر أنّ فرضيّة تحريضه على الجيش «فيها شيء من الحقيقة». وعاد حبلص إلى الأجواء السياسيّة التي تلت 7 أيّار واندلاع «الثورة السوريّة» وما كان يُحكى عن «مشروع إيراني فارسي»، وسياسة «الكيل بمكيالين» مع المقاتلين الذين كانوا يتوجّهون إلى سوريا، كل هذه الأحداث «جرفته» في تيّارها وأوصلته إلى انتقاد «الدولة التي صارت رهينة بيد حزب الله». لكنه اعتبر أنّ ما قاله جاء أيضاً على لسان غالبيّة المرجعيات السياسيّة والدينيّة التي تُطلق على نفسها صفة «المعتدلة»، مذكّراً بأن وزير العدل في حينه (النائب الحالي أشرف ريفي من دون أن يسميه)، «قال عندما دخل الجيش إلى أزقّة طرابلس لتنفيذ الخطّة الأمنيّة، بأنّ طرابلس باتت محتلّة من قبل الجيش». لكنه نفى أن يكون دعا إلى قتال الجيش، بل «كنتُ أريد التصويب على بعض الأخطاء التي كان يرتكبها ضباط وعسكريون»، مشيراً إلى أنّ «علاقتي مع قادة الأجهزة الأمنية ممتازة». ونفى أن يكون قد دعا إلى انشقاق العسكريين السنّة، «إلا أنني كنتُ أدعو إلى معالجة الأمور»، كما نفى أي تواصل له مع «داعش» أو «جبهة النصرة». وبعد هذه المراجعة، خلص إلى طلب «طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة»، معتبراً أنّ «أزمتي الكبرى» تكمن في إيواء الشيخ أحمد الأسير. وأكّد أنّ ذلك لم يكن بقرارٍ شخصي منه، وإنّما «كان طلباً من هيئة علماء المسلمين وعلى رأسها الشيخ سالم الرافعي»، لافتاً إلى أنّ الأخير طلب منه تأمين منزل للأسير وعائلته في بحنين من أجل «تمرير» الخطّة الأمنية التي نفّذها الجيش في طرابلس. علماً أن اسم الرافعي ورد في الكثير من إفادات المدعى عليهم بقضايا الانتماء إلى التنظيمات الإرهابية، من دون أن يتم الاستماع إلى إفادته. وهذا ما ركّز عليه حبلص ومعه وكلاء الدّفاع عنه.
ad
نعيم عبّاس: «لا أكذب»
الموقوف نعيم محمود المعروف بـ«نعيم عبّاس» كان المُنازع الأوّل لحبلص في «العسكريّة» التي اختتمت جلساتها بملفاته الأربعة أمس. كعادته منذ توقيفه في شباط 2014، حضر المسؤول عن معظم التفجيرات الإرهابيّة التي وقعت في الضاحية الجنوبيّة بلباس رياضيٍ، ووزّع تحياته وابتساماته على كل من في القاعة.
إلا أن ملامح القيادي السابق في «كتائب عبدالله عزام» تغيّرت. إذ خسر الكثير من وزنه وغزا الشيب لحيته. «الصيد الأثمن» الذي وقع بيد الجيش منذ 9 سنوات خانته ذاكرته لكثرة القضايا التي يُلاحق بها والتي تتعدّى الـ18 ملفاً، فلم يتذكّر ما إذا كان مستجوباً في بعض الملفات، ما دفع بوكيلة الدفاع عنه زينة المصري إلى التدخّل أكثر من مرة لتذكّره بتفاصيل الاستجوابات السابقة.
نعيم عبّاس: علاقتي بالمجموعات الإرهابيّة «جيّدة»!
ad
عبّاس، أجاب عندما سأله جابر عن علاقته بالمجموعات الإرهابيّة ضاحكاً: «الحمدلله كويسة». لكنّه أكد أن لا علاقة له بالاعتداءين على حاجزين عسكريين للجيش في صيدا (الأولي ومجدليون) عام 2013. ولفت إلى أنّ منفّذ العملية وناقل الانتحاريين بهاء السيّد زاره في منزله وربطه مع أحد قياديي «جبهة النصرة» في يبرود ويُدعى أبو حسن الفلسطيني، وأن الأخير طلب منه التوجّه إلى جامع الخاشقجي لنقل 3 أشخاص إلى صيدا، مؤكّداً «أنني لا أعرف التفاصيل ولا أسأل عنها. ولو أنني كنتُ متدخّلاً في هذه العملية لما قبلت بنقل الانتحاريين من دون أن أؤمن لهم هويات مزورة. أنا ما بشتغل هيك». ورأى أنّ ما حصل في صيدا في حينه كان «حادثاً عرضياً ولم يكن مخططاً استهداف الجيش».
أما عمر الأطرش المتّهم بنقل الانتحاريين فقد «ضرب» القضيّة بأكملها حينما تراجع عن إفادته الأوليّة التي تتركّز على علاقته بعباس الذي كلّفه بنقل الأسلحة والسيارات المفخّخة من سوريا إلى لبنان، مشيراً إلى أنّه نقل عمر صالح الملقّب بـ«أبو فاروق» وانتحاريين آخرين نفذا عمليتي صيدا من دون أن يعرف تفاصيل مهمتهما، بسبب الصداقة التي كانت تربطه بـ«أبو فاروق»، لافتاً إلى أنّه يُهرّب الأسلحة والأشخاص من وإلى سوريا، ولكنه لم يقم بإدخال انتحاريين أو سيارات مفخّخة.
كما أنكر الموقوف والقيادي السابق في «كتائب عبدالله عزام» الفلسطيني وسام نعيم أي علاقة له بالملف، خصوصاً أنّه كان موقوفاً في سجن وزارة الدّفاع في حينه.
ad
جورج نادر و«رفيق السلاح»
كسر رئيس المحكمة العسكريّة العقيد خليل جابر القواعد المُتعارف عليها في المحكمة العسكريّة. «رفقة السلاح» غلبت عليه، حينما وقف أمامه العميد المتقاعد جورج نادر والعسكري المتقاعد يوسف الفليطي بجرم «ارتداء سراويل مرقطة وقبعات عسكريّة وألبسة عليها شعار الجيش». وبدل من أن يستمع جابر لوكيل الدّفاع عن العسكريين المتقاعدين، سحب ورقةً مكتوبة من جيبه ليتولّى الدّفاع عن المدّعى عليهما، إذ قال: «أنتم جزء من تاريخ هذه المؤسسة الوطنيّة، ونحن اليوم إن حاكمناكم نكون حاكمنا أنفسنا وتاريخنا، فأنتم وكل المتقاعدين وسام شرف تزهو بكم البزّة العسكريّة». وتوجّه إلى نادر بالقول: «إذا كانت النيابة العامة قد أحالتك أمامنا فأنت في قلوبنا».
كلام جابر الدّاعم للعسكريين المتقاعدين دفع الحاضرين داخل المحكمة إلى التصفيق، بعد أن طلب فصل ملف نادر والفليطي عن ملف أربعة آخرين لإبلاغهم لصقاً. وبالتوازي، سجلت إجراءات أمنية خارج مقر المحكمة بسبب تجمع للعسكريين المتقاعدين دعماً لنادر وفليطي.