رغم «الإرجاء التقني» من قوى المعارضة لإعلان التبني الرسمي للوزير السابق جهاد أزعور كمرشّحٍ لرئاسة الجمهورية، فإن «وهجَ» هذه الخطوة التي يُفترض أن تحصل في اليومين المقبليْن على قاعدة إعلانٍ بالتزامن وعلى نحو منفصل بين غالبية خصوم «حزب الله» وبين «التيار الوطني الحر» بات هو الأكثر حضوراً في المشهد السياسي اللبناني المشدود الى الدينامية الجديدة التي صارت تَحْكُم الاستحقاق الرئاسي الذي يدور في حلقة مفرغة منذ أكثر من 7 أشهر.
ومن خلْف غبار زحمة السيناريوهات التي تضجّ بها الكواليسُ السياسية، وعملياتِ المحاكاة للخطوة التالية لرئيس البرلمان نبيه بري و«حزب الله» بعد أن يصبح ترشيح أزعور من ثنائي غالبية المعارضة – «التيار الحر» أمراً واقعاً والبوانتاجات لأي جلسةٍ قد يجد بري نفسه «مكرهاً» على الدعوة إليها ولو لم تمرّ إلا الدورة الأولى فيها، يتصاعد ما يُخشى أن يكون دُخاناً سبّاقاً لـ «حريق» آتٍ يكسر «على الحامي»، ولو المضبوط، ستاتيكو التوازن السلبي الدقيق الذي ارتسمَ على الجبهة الرئاسية وبدا عنصراً مفاجئاً للثنائي الشيعي الداعِم لسليمان فرنجية.
ومع ملامح «الحَشْرة» التي تزدادُ مؤشراتُ أن بري بات أسيرها بفعل مدّ المعارضة «شِباكها» إلى «منطقة عمليات» فريق الممانعة وفتْحها منْفَذاً لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بعدما صار «سمكةً وحيدة» تفتّش عن «بحر» جديد، ازدادت علامات الاستفهام حول كيف ستتعاطى «الممانعة» مع معطى ترشيح أزعور الذي يأتي خلافاً لحساباتها وتوقّعاتها منذ أن جرّ«الأستاذ» (بري) شريكه في الثنائية الشيعية إلى «مجازفة المجاهرة» بتبنّي فرنجية بناءً على تمنٍّ من باريس ليكون بين يديها «ورقة رسمية» لبدء ورشة تسويق الأخير خارجياً، وعلى قاعدة أن رئيس البرلمان يضمن «ممرّاً آمناً» لهذا الخيار بالأرقام ونتيجة «حفْظه على الغيْب» قدرات مختلف أطراف الداخل وهوامش المناورة لديهم.
وفي ظلّ عدم تدشين مسار ترشيح أزعور رسمياً، أمس، من الأحزاب المسيحية في المعارضة ونواب تغييريين ومستقلين، وسط توقعات بأن ينطلق قطار تبني وزير المال السابق خلال الساعات المقبلة بانسحاب المرشح السابق للمعارضة ميشال معوّض من السِباق ودعْمه أزعور، على أن يتولّى «التيار الحر» المجاهرة بتأييد الأخير في موقف منفصلٍ، فإن عملية روْتشةٍ تُستكمل لمسار الإعلان عن هذا التطور النوعيّ، على أن تشكّل هذه الفسحة الزمنية أيضاً فرصةً لإنهاء بعض المشاورات مع عدد من النواب والأطراف في المعارضة بحيث يكون ما سيحصل عاملاً مفصلياً يفرض أقلّه فتْح أبواب البرلمان أمام الجلسة 12 الانتخابية التي يحتجز بري الدعوة إليها منذ نحو 4 أشهر.
وإذ كانت أوساطٌ سياسيةٌ ترتاب من صورةٍ تم نشْرها في صحيفة قريبة من «حزب الله» ضمن نافذة «المَشهد السياسي»، متضمّنة أزعور ويظهَر مموَّهاً وقربه الوزير السابق للمال محمد شطح بوجهٍ واضحِ (وهو اغتيل في 27 كانون الأول 2013) بعدما تم التعاطي معها بوصْفها «رسالة مشفّرة» برسْم أزعور نفسه، علماً أن الصحيفة عادتْ وسحبتْ الصورة عن الموقع الالكتروني، فإنّ هذا الأمر وُضع في إطار ما يشي بأن يكون مرحلةَ «كسر عظْم» رئاسية تفرضها تطورات الأيام الأخيرة، من تركيبِ غالبية المُعارضة مع «التيار الحر» تحالفاً «على القِطْعة تقاطعا فيه على دعْم أزعور، وصولاً لدخول واشنطن القوي على خطّ تطويق بري بعصا العقوبات التي جرى التلويح بها ومحاولة تصويره مرجعيةً «محبوسة» في «خانة اليك» بحال أصرّ على عدم الدعوة لجلسة انتخابٍ بعدما لم يعُد فرنجية المرشّح الجدي رقم واحد والوحيد في الساحة الرئاسية.
ولم يكن عابراً أمس، ما نُقل عن بري على لسان مصادر أبلغت، أنه سيدعو الأسبوع المقبل إلى جلسة انتخاب، في ضوء مواقف كل الكتل من ترشيح أزعور من دون أن يدخل في تفصيل مجرياتها وإذا كان نصابها النيابي سيتوافر أو الاكتفاء بالدورة الأولى، التي تتطلب حصول المرشح ليفوز على 86 صوتاً، الأمر الذي لا يمكن لأي مرشح تحقيقه في ظل التوازن السلبي الموجود.
ووفق المصادر، فإن بري لا يخشى كل الحديث الدائر عن فرض عقوبات أميركية عليه، تحت حجّة عدم دعوته إلى جلسة انتخاب وهو يردّ «ليعلم الجميع في الداخل والخارج بأنني لن أركع، ومِن جهتي لا أقصر في القيام بالواجبات المطلوبة مني حيال جلسة الانتخاب، عند توافر مرشحين جدييْن لرئاسة الجمهورية، وألا تتكرر مشهدية الجلسات الـ11 السابقة».
ولم يقلّ دلالة إعلان رئيس المجلس التنفيذي في«حزب الله»هاشم صفي الدين، أن «الطريق الوحيد المتاح لإنجاز استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية هو التفاهم والتوافق، وهذا ما قلناه منذ اليوم الأول، وما زلنا ندعو إليه».
واعتبر أن «التدخل الأميركي الذي حصل في الأيام الأخيرة وكان بشكل فظّ وفجّ وغليظ، له هدف واحد وهو العرقلة»، محذراً «إذا كان المقصود من هذا التدخل هو التحدي، فالأميركيون يعلمون أن في هذا التحدي مزيدا من العرقلة، سواء في انتخاب رئيس الجمهورية أو في إدارة أي أمر سياسي في المستقبل، وكأن أميركا تريد أن تقول للبنانيين، اذهبوا إلى مزيد من المآزق والتأزم والمشاكل».
وأضاف «إذا كان البعض مرتاحا ومستأنساً من تدخل أميركا، فنحن نقول له لا تستأنس كثيراً، فالتدخل الأميركي حيث ما يحل، يأتي بالخراب».
وإذ تشير أوساط سياسية إلى أن رهان بعض الأجواء على إمكان تراجُع «التيار الحر» عن الاصطفاف مع خيار أزعور والمجاهرة بدعمه ليس في محلّه باعتبار أن هذا التأييد بات في عهدة البطريرك الماروني ولم يعد ملك التيار، أقله في مرحلة «الإعلان السياسي» عن هذا التأييد، وبمعزل عن مجريات أي عملية تصويت في صندوقة الاقتراع، توقفت عند كلام النائب غسان عطالله (من كتلة باسيل) عن «ان جهاد أزعور مرشح جدي وليس مرشح مناورة وإن فُتح المجلس لانتخاب رئيس سنذهب ونصوّت له».
وأكد أن «انتخاب رئيس هو استحقاق مسيحي وعلى المسيحيين أن يكون لهم القرار الأول وسنحاول أن نصل إلى تفاهم مع الآخرين كي لا يكون مرشّحنا رئيس تحد»، ولافتاً الى ان «حزب الله يفرض سطوته على لبنان من خلال فرض مرشح على المسيحيين بالقوة».
وتبعاً لذلك، وفيما يُنتظر الموقف الذي ستتخذه كتلة النائب تيمور وليد جنبلاط من ترشيح أزعور، وهل ستعلن خيارها مسبقاً أم تكتفي برهْن السير به بأن يتحوّل توافقياً أي لا يكون في سياق تحدّي الفريق الآخَر، فإن من الصعوبة بمكان استشراف مآل أي جلسة انتخاب قد يدعو إليها بري بعد تحوُّل أزعور مرشّحاً وازناً ولا سيما في ظلّ تشابُك البوانتاجات وعدم وضوح الرؤية في ما خص مواقف نواب تغييريين، كما من المكوّن السني، ناهيك عن شكوك حيال قدرة باسيل على تجيير كامل أعضاء تكتله لمصلحة أزعور، ما يشي بجلسة اختباريةٍ في اتجاهيين دقيقيْن:
– الأول يُرجّح معه أن تكون على طريقة «كاشف الضوء» رغم الأبعاد الحاسمة التي يمكن أن يشكّلها انكشاف نيل أزعور 65 صوتاً في الدورة الأولى (تتطلب أن ينال فيها المرشح غالبية الثلثين أي 86 صوتاً) ما سيجعل تطيير نصاب الدورة الثانية من قِبل الممانعة بمثابة «انقلابٍ».
– والثاني هل تسقط إمكانات المناورة أمام فريق الممانعة بحال وجد نفسه مضطراً للدعوة إلى جلسة انتخاب والمشاركة فيها، وسط أسئلة عما إذا كان سيبقى هناك مجال للورقة البيضاء لـ «تمويه» أحجامٍ أو… «نفْخها».