استحقاقات في ملف النفط والغاز

إنتهت بالأمس المهلة المحددة لإبداء الملاحظات على تقرير تقييم الأثر البيئي لأعمال الحفر الإستكشافي في الرقعة رقم (9) من الحوض الرسوبي المشرقي في المياه الإقليمية اللبنانية، وتشمل الأعمال المقترحة حفر بئر استكشافي أُطلق عليه اسم ( قانا 1/31) وبئر تقييمي مُحتمَل تبعًا لنتائج البئر الأول، على أن يتم حفر بئرين كحد أقصى في مرحلة التقويم. ويُلخص هذا التقرير الى نتائج دراسة تقييم الأثر البيئي والإجتماعي لأعمال الحفر المقترحة للبئرين كحد أقصى، والذي تم اعداده من قبل فريق يجمع أشخاصاً من شركة مختصة بالإستشارات معتمدة في لبنان، وهي شركة دار الهندسة للتصميم والإستشارات الفنية (شاعر ومشاركوه) ش.م.ل، وشركة دولية مختصة بالإستشارات وهي شركة RSK Environment Ltd. نياية عن المشغل شركة TotalEnergies. ومن المتفق عليه في حال كشفت أعمال الحفر عن وجود مواد هيدروكربونية قابلة للإستثمار التجاري، أن يتم الإنتقال الى المرحلة الثانية من التطوير، والتي يُجرى فيها دراسة إضافية لتقويم الأثر الناتج عن مرحلة الإنتاج. وقد نظّمت شركة TotalEnergies وشركائها جلستين عامتين لإطلاع و إبداء الرأي من قبل أصحاب المصلحة والمجتمع المدني والمحلي على نتائج التقرير، فنظمت لهذه الغاية جلستيين على التوالي إحداها في بيروت بتاريخ 31 مايو والأخرى في صور بتاريخ 1 يونيو 2023. وقد أكدت الشركة TotalEnergies خلال هاتين الجلستيين على البدء بأعمال الحفر الإستكشافي خلال الربع الأخير من هذه السنة.

ومع نهاية الشهر الجاري تنتهي المهلة المحددة لتقديم طلبات الإشتراك في دورة التراخيص الثانية في المياه البحرية اللبنانية على الرقَع الثماني المعروضة للمزايدة، والتي لتاريخه لم تُبد أي شركة نفطية رغبتها في التقديم. فمن المتوقع وفي ظل الأوضاع غير المستقرة في البلد بإعادة تأجيلها لموعد آخر علمًا أن هذا التأجيل لن يكون الأول فقد سبقته عدة تأجيلات من قبل.

وعلى الرغم من أن الأمور تبدو لناظرها من بعيد أنّ الملف يسير في هدوء نحو تحقيق الهدف المرجو والمترقّب بالكشف عن كميات تجارية، إلا أن المُتابِع عن قرب لحيثيات الملف يقع أسير مخاوف وتساؤلات لا تجد لها أجوبة على طاولة بلد منهار ومفلس في جميع جوانبه وقطاعاته. فعلى فرض بدء عمليات الحفر الإستكشافي في (قانا 31/1) في الربع النهائي للعام الحالي، ولقد أسفر التنقيب عن وجود مواد هيدروكربونية قابلة للإستثمار التجاري، وتلاها حفر بئر تقييمي آخر لتحديد الكميات التجارية فما هي الخطوات التالية المفترضة؟

فوفقاً لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان و«إسرائيل» التي تمّت بواسطة أميركية في أكتوبر 2022، على مشغل الرقعة رقم (9) شركة TotalEnergies العودة الى «إسرائيل» لترتيب وحسم الاتفاق المالي مع الأخير حول حصته أو تعويضه لقاء الحقوق العائدة له من المخزونات المُحتملة في الحقل قُبَيل اتخاذ المشغل TotalEnergies لقرار الإستثمار النهائي، والتي من المتفق عليه وفقًا لبنود هذا الإتفاق أنه لن يبدأ المشغل بتطوير كامل المكمن المحتمل إلا مع بدء تنفيذ الإتفاقية المالية مع «إسرائيل»، وهو الأمر غير المحدد نتائجه أو حدوده طالما أن أحد طرفيه هو «إسرائيل»!

وعلى فرض أن المنطقة متجهة لإحلال السلام وأن قرارًا إقليميًا متخذًا لفرض استقرار سياسي وأمني واقتصادي، فمن الممكن أن تحسم «إسرائيل» مع المشغل TotalEnergies شروط اتفاقها المالي من غير مُماطلة وتسويف، فهل تستطيع في هذه الفرضية الشركة المشغلة TotalEnergies الإستثمار في ظل بلدٍ مُنهارة قطاعاته ولا تملك أي جهة رسمية القدرة على اتخاذ قرار يُلزِم قطاعات الدولة بإنفاذه ؟ وهل يستطيع أي طرف في الداخل اللبناني أن يضمن للمشغل TotalEnergies أمن منصّاته على الأقل؟…

غير أنه، وبالرغم من كل الهواجس والمخاوف والأسئلة التي تدور في الأذهان، يبقى السؤال الأهم: هل الشعب اللبناني المصدوم والمسلوب الإرادة الواقع تحت ثأثير الخيبة والإنهيار الإقتصادي قادرًا على إعطاء الثقة لممثليه ومسؤوليه لإستثمار وإدارة أي جدوى تجارية في حال وجودها؟! فهل مَن سُلبَت حقوقهم وأموالهم من حساباتهم البنكية على مرأى من مسؤولي الدولة وفي ظل أنظمة قوانيين مالية ومصرفية سارية ونافذة في لبنان لم تجد قضاءً يُساندها ويكفل تطبيقها وتنفيذها، أن يأمن حماية عائداته من المواد الهيدروكربونية الموجودة في قاع البحر بعيدًا عن ناظريه!!.

من المؤكد أنّ أي قطاع حديث، ولو كان يحمل في طياته خيرًا وأملًا للأجيال الحالية والقادمة، لن يستطيع المضي قدمًا إن لم يكن هناك نظام ودولة قادرة على حماية ثروات هذا القطاع وعوائده وتَكفل استمراريته. فالإصلاح هو أول استحقاق في ملف النفط والغاز يضمن ويُهيّئ الطريق لأي جدوى تجارية قد تكشف عنها الأيام القادمة إذا كنّا حريصين على النهوض مجددًا بهذا البلد من تحت الرماد.

اترك تعليق