لم يكن موقف أمين عام الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، مفاجئاً عندما أكد على ضرورة بقاء النازحين السوريين حيث هم في لبنان، على أن يستمرّ الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المانحة في دعمهم، وتأمين كل مستلزمات ظروفهم الاجتماعية، إلى أن تحين الأجواء المؤاتية لعودتهم إلى ديارهم، وعليه، فإن بعض المتابعين لهذه المسألة مع المجتمع الدولي، يؤكدون أن المسألة انطلقت عبر حوار أميركي ـ روسي، وقبل أن تنتهي الحرب في سوريا، وبمعزل عن التباينات والخلافات بين واشنطن وموسكو، وحصل حوار في هذا الإطار، وكانت حينذاك المعطيات تشير إلى تولّي موسكو هذا الملف من خلال سفيرها في لبنان زاسبكين قبل أن يحال إلى التقاعد، وبالتالي إقامة مخيّمات حديثة تتطابق ومواصفات العيش الكريم ما بعد الحدود اللبنانية ـ السورية، لكن هذا الحوار توقف بعد اندلاع الحرب الأوكرانية ـ الروسية، والمقاطعة الأميركية ـ الأوروبية لروسيا، ما أدى إلى تراجع الحديث الجدي بعودة النازحين إلى بلادهم، فيما الزيارات التي حصلت من بعض الوزراء اللبنانيين كانت تندرج في إطار العودة المتدرّجة، ولكن أيضاً لم تؤدِ إلى نتائج بفعل الشغور الرئاسي، وعدم قدرة الحكومة على إيلاء هذا الملف ما يستحقّه، فيما بقي الاتحاد الأوروبي مواكباً لموضوع النازحين من خلال توفير كل وسائل الدعم الصحي والتربوي والاجتماعي، وتقديم مساعدات مالية شهرية بالتعاون مع الدول المانحة والمنظمات الأممية والإنسانية، ولا زالت سارية المفعول إلى اليوم.
من هنا، انعقد مؤتمر بروكسيل للنازحين على وقع هذه الأجواء والمعطيات، وكان البيان الختامي مؤشراً لإطالة أمد العودة، فيما اعتبرته جهات لبنانية عديدة، أنه مقدمة للتوطين وشبيه إلى حد بعيد بموضوع الفلسطينيين الذين جاؤوا إلى لبنان بعد النكبة، ما يطرح السؤال كيف ستواجه الحكومة والمعنيين بكل مكوّناتهم هذا الملف الخطر، وتحديداً بعد كلام بوريل، الذي قطع الطريق على أي إيجابية لعودتهم إلى ديارهم؟ لا بل وكأنه يؤكد بطريقة أو بأخرى أنه من غير المسموح التفكير والحديث عن العودة غير الآمنة، كما اعتبرها، الأمر الذي يبقي لبنان في دائرة الخطر الديموغرافي والاقتصادي، وحتى السياسي، في ظل حالة الانقسام العمودي التي يمر بها.
من هذا المنطلق، فإن المعلومات تشير إلى أنه، وبعدما أفاض بوريل بكلام غير مسؤول وخطر في آن، هناك معطيات تشير إلى أن اجتماعاً قريباً لحكومة تصريف الأعمال سيبحث نتائج ومقررات مؤتمر بروكسيل، وما خلص إليه من نتائج ومواقف تبقي موضوع النازحين ملفاً تفجيرياً اجتماعياً وسياسياً،
في المقابل، يقول أحد الوزراء المعنيين، ان ما قاله أمين عام الاتحاد الأوروبي لا يمت إلى الحقيقة بصلة، حيث تتحمل الحكومة اللبنانية أعباءً مخيفة ناتجة من وجود أكثر من مليوني نازح سوري،وذلك، على خلفية البنى التحتية وشبكات الكهرباء والمياه التي لم تعد قادرة على الاستمرار بفعل هذا الضغط البشري، ودون أن يسدِّد هؤلاء أي فواتير للكهرباء والمياه، وكل ما يتصل بالبنى التحتية على غرار اللبنانيين، خصوصاً أن حجم النفقات زاد من أعباء الخزينة، ما ينذر بعواقب وخيمة إذا لم تعالج هذه الأمور الملحة.
لذا، يرتقب وفق المتابعين، بأن تكون هناك زيارة قريبة لوزير شؤون النازحين عصام شرف الدين إلى سوريا، بالتنسيق والدعم من الحكومة مجتمعة، لمعالجة هذا الموضوع مع الحكومة السورية، لأن هذا الحوار بات ملحاً بين الطرفين، وخصوصاً بعدما قطع لقاء بروكسيل طريق العودة، الأمر الذي بات يستوجب حراكا داخلياً قبل فوات الأوان.