رسمت المواقف التي سمعها مبعوث الرئيس الفرنسي الخاص جان إيف لودريان من القيادات اللبنانية، بعد ثلاثة أيام من الاجتماعات المطوّلة التي عقدها، بحثاً عن مخرج للمأزق الرئاسي المستمر منذ ما يقارب الثمانية أشهر، صورة كافية عن المسار الرئاسي المقفل، نتيجة استمرار المواقف على حالها، حيث شدّدت المعارضة والموالاة معاً على تمسكهما بمرشحيهما، جهاد أزعور وسليمان فرنجية. وإذا كان لودريان أعلن بوضوح أن جولته استطلاعية، ولا يحمل خطة حل. وهو ما كان متوقعاً، طالما أن كل فريق ما زال على مواقفه، ولم يبدِ أي استعداد لتسهيل مهمة الضيف الفرنسي. وتحديداً من جانب «الثنائي الشيعي» الذي يرفض التنازل عن فرنجية، في وقت أكدت أوساط المعارضة أن «التحرك الفرنسي لن يثمر عن شيء إذا لم يتخل الفريق الآخر عن مرشحه، ويعلن استعداده للبحث في خيارات أخرى، من شأنها تسهيل موضوع الانتخابات». وقالت، إن «حزب الله يريد التفاوض على فرنجية، وهذا غير وارد على الإطلاق».
واستناداً إلى ما توافر من معلومات لـ«اللواء»، فإن المبعوث الفرنسي الذي سيحمل حصيلة لقاءاته مع المسؤولين والقيادات في لبنان، لوضعها على طاولة الرئيس ايمانويل ماكرون، من أجل تحديد طبيعة الخطوات اللاحقة، لم يخفِ أمام من التقاهم صعوبة المهمة الملقاة على عاتقه، كونه لم يلمس تغييراً في مواقف الأطراف المعنية من الاستحقاق الرئاسي، وإن كان أشار إلى أنه سيزور بيروت الشهر المقبل، لمتابعة الجهود الفرنسية الرامية لتقريب المسافات بشأن الملف الرئاسي. وأشارت المعلومات إلى أن لودريان الذي لم يشر إلى أن بلاده ما زالت متمسّكة بفرنجية للرئاسة، كان واضحاً بالتأكيد، على أن لا يمكن انتخاب أي رئيس إلّا بالتوافق، وهذا ما يفرض على القيادات السياسية اللبنانية، أن تبادر إلى ردم الهوة بشأن هذا الملف، بما يمكنها من أن تلتقي على دعم شخصية توافقية، بإمكانها أن تخرج لبنان من الوضع المزري الذي يتخبط فيه على كافة الأصعدة.
وتكشف المعلومات، أن زيارة لودريان الثانية، قد تشكّل مناسبة للجانب الفرنسي، لكي يقترح على الأطراف اللبنانية، خطوات باتجاه السير بتأييد مرشح توافقي، ربما يكون حصيلة مشاورات عربية وفرنسية، لن تكون واشنطن بعيدة منها، على اعتبار أن هناك استحالة لانتخاب، أي من مرشحي المعارضة والموالاة. وهنا يبرز اسم قائد الجيش العماد جوزف عون الذي استحوذ على الاهتمام في محادثات المبعوث الرئاسي في لبنان. لكن دون أن يسمع تأييداً واضحاً من جانب المكونات السياسية، لدعمه للرئاسة بشكل صريح، وإن سمع إشادة بدوره على رأس المؤسسة العسكرية، وما حققته في عهده من إنجازات في مواجهة الإرهاب على مختلف المستويات. وهذا بالتأكيد يرفع من رصيد العماد عون الرئاسي، بانتظار ما ستحمله الأسابيع المقبلة من تطورات، على صعيد الحراك الفرنسي – السعودي القائم بهذا الشأن.
وقد شكّلت مأدبة الغداء التي أقامها سفير خادم الحرمين الشريفين وليد بخاري، على شرف السفراء العرب والمسلمين، والتي حضرها السفير الإيراني، وما لقيه الأخير من ترحيب من جانب مضيفه، وهو لقاء يقيمه بخاري سنوياً، مناسبة كذلك لمواكبة تحرك المبعوث لودريان، والسعي لبلورة تصوّر يقارب بين المسعيين السعودي والفرنسي، توازياً مع لقاء موفد الرئيس ماكرون، مع سفراء الدول المنبثقة عن الاجتماع الخماسي، من أجل التوصل إلى رؤية مشتركة، تسرع في إنجاز الانتخابات الرئاسية، حيث برز تشديد على ضرورة تهيئة المناخات التي تسمح بإخراج لبنان من هذا المأزق الذي يرخي بثقله على الساحة الداخلية، ويزيد من حدة المخاطر التي تتهدده على كافة الأصعدة.
وقد توقفت مصادر سياسية متابعة، أمام كلام السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا التي استبقت وصول لودريان إلى بيروت، بموقف لافت في كلمة مسجلة من واشنطن، لمناسبة العيد الوطني لبلادها، تطرقت خلاله إلى مواصفات الرئيس العتيد الواردة في البيان الثلاثي الأميركي – السعودي – الفرنسي الصادر في نيويورك في أيلول 2022 وفيه «رئيس غير فاسد، يمكنه توحيد الشعب ويعمل مع الجهات الفاعلة الاقليمية والدولية لتجاوز الأزمة، وتشكيل حكومة قادرة على تطبيق الاصلاحات الهيكلية والاقتصادية لمعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية ومواكبة مرحلة الاستحقاقات». وأشارت المصادر، إلى أن «الأميركيين أرادوا أن يبعثوا برسالة إلى الفرنسيين، تحذرهم من السير بخيار فرنجية، باعتباره مرشح حزب الله. وهو أمر لن تقبل به واشنطن، وأنها مصممة على مواجهة مرشح الحزب، ما سيدفع باريس إلى أخذ التحذير الأميركي بعين الاعتبار، والبحث عن خيارات أخرى تخفف من حدة المواجهة مع المعارضين لانتخاب فرنجية».