ليس صحيحاً أنّ المرشح لرئاسة الجمهورية جهاد أزعور ابتعد عن المشهد الإنتخابي وخرج من المنافسة بعد جلسة انتخابات 14 حزيران. العكس هو الصحيح. فالوزير السابق يعمل وكأنّ هذه الجلسة قرّبته من أن يكون رئيساً، وقوّت حظوظه، ووضعت المنافسين له في موقف صعب بعدما حاولوا بكل قواهم المحلية والدولية، وبكل الوسائل الترهيبية والترغيبية، أن يحشدوا أكثرية 65 صوتاً لمرشحهم سليمان فرنجية وفشلوا.
لو لم يتمّ التقاطع حول أزعور، وزير المالية الأسبق في لبنان، ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، لما كانت عقدت جلسة انتخابات 14 حزيران. قبل أن يحصل هذا التطور في مسار المعركة الرئاسية كان فريق الممانعة والثنائي الشيعي يعمل بكل قوته على تأمين أكثرية موصوفة للمرشح سليمان فرنجية رئيس «تيار المردة».
تعطيل 11 جلسة انتخاب في مجلس النواب لم يكن عن عبث بل كان تأجيلاً متعمداً ريثما تتوفّر الظروف الأفضل لحمل «التيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل، على الإنتقال من مرحلة الإنتظار إلى مرحلة تأييد فرنجية على خلفية أن الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله قال كلمته بحضور باسيل وفرنجية، وأنّ على باسيل أن ينضوي تحت هذا الموقف. ولكن العكس هو الذي حصل. تقاطع مع القوى السيادية والمستقلة الأخرى على ترشيح أزعور. هذا التقاطع فرض على الرئيس نبيه بري تعيين جلسة انتخاب في 14 حزيران وفرض على الثنائي الشيعي والفريق الداعم له العمل على تأمين عدد من الأصوات لفرنجية من أجل تثبيت ترشيحه ومنع أزعور من الحصول على 65 صوتاً لتطيير ترشيحه. ولكن في الواقع كان يكفي أن يخوض الثنائي مع فرنجية المعركة بهذا الشكل حتى يبقى باسيل ضمن التقاطع حول أزعور. صحيح أنّ باسيل دعا بعد الجلسة إلى التفاهم حول مرشح غير فرنجية ولكن تمسك «الحزب» بفرنجية أبقى باسيل في الخندق الذي انتقل إليه.
خيار فرنجية في وجه لودريان
عندما لا يستطيع «حزب الله» أن يكون لديه خيار آخر غير فرنجية فهذا دليل ضعف لا دليل قوة. وهذا يعني أيضاً أنّ استراتيجية التعطيل مستمرة مهما طال الزمن بانتظار حصول معجزة تعيد منح فرنجية 65 صوتاً. ولو كان الفريق الداعم لفرنجية واثقاً من أنّ أزعور لن يحصل على هذه الأكثرية في الدورة الثانية لما كانوا انسحبوا من الجلسة وطيّروا النصاب.
يعتبر فريق الممانعة أنّ أزعور ليس الخيار النهائي للفريق المنافس له وأن هذا الفريق لديه مرشح مضمر هو قائد الجيش العماد جوزاف عون. ولكن طالما أنّ «حزب الله» يسرِّب أن لا فيتو لديه على عون، فلماذا لا يترك اللعبة مفتوحة حتى لو أدت النتيجة إلى فوز عون الذي يحتاج إلى استراتيجية ترشيح وانتخاب مختلفة عن ترشيح أزعور طالما هو في موقعه في قيادة الجيش. ولكن يبدو أنّ استراتيجية «الحزب» هي في الإستمرار في الفراغ حتى يكون عون قد خرج من قيادة الجيش في 10 كانون الثاني المقبل. من أهداف الحزب أن يكون رئيس الجمهورية تابعاً له ومن خلاله يمكنه أن يأتي بحكومة من لون واحد ويعيّن قائداً للجيش مطواعاً وحاكماً لمصرف لبنان تابعاً له. معركة رئاسة الجمهورية أساسية بالنسبة إلى «الحزب» لأنّه لا يمكنه أن يتحمل أي دعسة ناقصة تجعله في موقع صعب.
من هذه الخلفية كان «الحزب» يركز اهتمامه على طريقة التعاطي الفرنسي مع انتخابات الرئاسة. حتى ما قبل جلسة 14 حزيران كان مرتاحاً لهذا الموقف المؤيد لمرشحه فرنجية. ولكن بعد الجلسة توجّس من تعيين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الوزير السابق جان إيف لودريان موفداً خاصاً إلى لبنان. ولذلك حرص خلال اللقاء به على التأكيد أنّ مرشحه الأول والأخير هو سليمان فرنجية ولا يوجد لديه خيار آخر. وذلك بهدف قطع الطريق على إمكانية حصول أي تغيير في الموقف الفرنسي بإفهامه أنّه حتى لو أرادت باريس أن تبدّل مقاربتها للموضوع الرئاسي فإنها لن تستطيع أن تحقق شيئاً.
هل يوجد ملف رئاسي في باريس؟
كان على لودريان أن يبدأ دوره من حيث انتهى. لم يكن من الواجب عليه أن يعقد كل هذه اللقاءات، لأنّه من المسلّم به أنّه لا ينطلق من الصفر، ولا يؤسّس لموقف لا يعرف عنه شيئاً ويحاول أن يستكشفه. فباريس تعرف كل التفاصيل المتعلقة بمواقف جميع الأطراف والنواب وهي حاولت منذ زيارة رئيسها ماكرون إلى لبنان بعد تفجير مرفأ بيروت أن تصنع حلاً ولكنها فشلت لتنتهي بتبني ترشيح فرنجية مرشح «حزب الله» واقتراح أن يكون نواف سلام رئيساً للحكومة. ولذلك كان على لودريان أن يبدأ مهمته من اعتبار أن هذه النظرية سقطت وأن يطرح البديل.