امتحان جديد يخضع له لبنان في المعيار الدولي يوم الخميس المقبل. الامتحان يرتبط بموقف تسعى بعض الدول إلى اتخاذه بخصوص سوريا، ويرتبط بالتصويت على مشروع قرار في الأمم المتحدة، حول إنشاء مؤسسة جديدة خاصّة بقضية المفقودين والمخفيين قسراً في سوريا. إذ تقدّمت بعثة اللوكسمبورغ، ومعها البعثات الدائمة في الأمم المتحدة لكلّ من ألبانيا وبلجيكا وكابو فيردي، وجمهورية الدومينيكان، ومقدونيا الشمالية بمشروع القرار الخاص بإنشاء آلية البحث والكشف عن مصير معتقلين ومفقودين ومخفيين قسراً في سوريا. ووفق ما يأتي في متن نص القرار، أنه لا يهدف إلى تصويب أو توجيه أصابع الاتهام إلى أي جهة. إنما غايته إنسانية بحتة، وهي الكشف عن مصير عشرات آلاف المخفيين قسراً. سواء كان هؤلاء المخفيون من الجنسية السورية أم من جنسيات أخرى.
النظام السوري والموقف اللبناني
لا يتضمن القرار أي مهلة زمنية تتعلق بفترة اختفاء أي شخص، بمعنى أنه غير محصور في سنوات الحرب السورية فقط، إنما يشمل حقبات طويلة، وهذا ما سيطال لبنان بشكل مباشر. إذ من المعروف أن هناك جهات لبنانية متعددة تسعى إلى الكشف عن مصير المعتقلين في السجون السورية. ويحاول مشروع القرار أن يتجنب أي انقسامات سياسية، مع التأكيد على مبدأ سلامة ووحدة الأراضي السورية، بمعنى أنه يُقدّم بصيغة لا تظهر أنه يستهدف النظام أو غيره من الأطراف، إلا أن دمشق تنظر إلى هذا القرار بأنه محاولة للتدخل في شؤونها الداخلية، وبالتالي ستعارضه.
إنطلاقاً من ذلك، يطرح سؤال أساسي حول موقف لبنان من هذا المشروع، وكيف ستكون جهة التصويت. بلا شك أن لبنان سيكون محرجاً في ذلك، فالموقف الرسمي حريص على ترتيب العلاقة مع النظام السوري، وبالاتساق مع وقع الانفتاح العربي على دمشق، وسط توجهات لدى مسؤولين سياسيين وقوى أساسية فاعلة بعدم التصويت لصالح القرار، والامتناع عن التصويت أو التحفظ بدلاً من التصويت ضده. ولكن ذلك سيتسبب للحكومة بالإحراج، نظراً لأن هناك الكثير من اللبنانيين هم في عداد المفقودين أو المخطوفين أو المعتقلين في سوريا، وهناك أصابع اتهام لبنانية موجهة إلى دمشق. وبالتالي، ستكون الحكومة في موقف حرج، مع ترجيحات بأنها ستمتنع عن التصويت. وهذا سيؤدي إلى بروز مواقف اعتراضية من قبل قوى داخلية على أدائها.
الضغط الأميركي
اللافت أن مثل هذا القرار يأتي بالتزامن مع مجموعة أمور، اولها الإنفتاح العربي على دمشق. ثانيها البحث الأميركي في تشديد العقوبات على النظام السوري، واتخاذ إجراءات عقابية ضد تطبيع العلاقات معه، بالإضافة إلى إقرار قانون وإنفاذه يتعلق بمحاربة ومكافحة تهريب الكبتاغون. ثالثها، المفاوضات الأميركية السورية التي عقدت في سلطنة عمان، وبعدها في الأردن، بين الأميركيين ومسؤولين من النظام السوري للبحث في الإفراج عن مفقودين أميركيين في سوريا، وأبرزهم الصحافي الأميركي أوستن تايس. أي قد يكون هذا القرار مرتبطاً بهذا السياق، ويندرج في إطار الضغط على دمشق للكشف عن مصير تايس. إذ يرفض النظام السوري البحث بهذا الأمر قبل تحقيق مكاسب سياسية ينالها من الأميركيين، وقبل تخفيف العقوبات.
هذا المشروع من قبل الأمم المتحدة يشبه قراراً اتخذ قبل فترة في العراق، وفي حينها عارضته الحكومة العراقية بداية، وفيما بعد عادت للتعاون مع اللجنة المكلفة بمتابعة ملف المفقودين. وحسب ما تقول مصادر متابعة، فهو ذات تأثير وضغط معنوي، ولن يكون له أثر فعلي. إذ لا قدرات لوجستية وأمنية قادرة على الذهاب إلى سوريا والتحقيق، في سبيل كشف مصير المفقودين