تلقى اللبنانيون هدايا العيد بالجملة، مع تقرير من الأمم المتحدة يفيد بتقدم بلادهم في قائمة التضخم الحقيقي إلى المركز الأول مع تغيّر أسعار الغذاء بنسبة 81%. كما يسجل “فعل انحدار تصنيف نحو 354 ألف نسمة من المقيمين في الدرجة الرابعة لانعدام الأمن الغذائي، وعلى بعد مرتبة واحدة من بلوغ الحد الأقصى للوضع الكارثي أو المجاعة، في حين يتواصل توسّع حزام المصنفين في الدرجة الثالثة ليشمل 42 %، أي نحو 2.3 مليون فرد من مواطنين ونازحين”.
كذلك خصهم “صندوق النقد الدولي” بتحذير من خطر التأخير في إعادة هيكلة القطاع المالي الذي أدى حتى تاريخنا هذا إلى خسارة المودعين 10 مليارات دولار من أموالهم منذ 2020، في غياب إجراءات معالجة الوضع المالي والاقتصادي.
وجاءت التحلية مع إعلان وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب عن توجه لبنان للامتناع مع عدد من الدول العربية، عن التصويت لصالح مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يقضي بإنشاء هيئة مستقلّة لمعرفة مصير المفقودين والمخفيّين قسراً في سوريا، مع كل ما يمثله هذا الموقف المفتقد إلى أدنى مواصفات المسؤولية الأخلاقية، من ألم وظلم يصيبان عائلات لبنانية لا تزال تجهل مصير أحبائها منذ عقود.
وفيما يتلقى اللبنانيون الهدايا التي تقهرهم بعيد أو من دونه، يبحث قادة المنظومة عن مزيد من الهدايا لأنفسهم، حتى يتمكنوا من تعزيز نفوذهم وسيطرتهم على البلد. كل يحاول من جهته إرساء معادلات تلائم مصلحته وتعدل موازين القوى لصالحه.. ذلك أن كل هذه الويلات لم تعرقل استمرار أصحاب المشروع في العمل الدؤوب لرفع مستوى المعاناة والكوارث التي تحل بالشعب الخانع والخاضع والمتلقي شتى ألوان الهوان من دون أي ردود فعل على مستوى ما يتعرض له، بعدما أفقدته هذه المنظومة القدرة على الأمل بالتغيير الفعلي.
والواضح أن العجز في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، هو رأس جبل جليد هش، فهو لم يعد يخفي الأهداف الفعلية لأسبابه، إن لجهة الأطراف السياسية الرافضة التنازل والتسليم بمشيئة فائض القوة وتفوق الدويلة على الدولة، او لجهة الدويلة التي تريد استغلال الاستعصاء الحالي وشلل مؤسسات الدولة حتى تكرس واقعا جديدا يعطي شرعية لمكتسباتها بنصوص واضحة، ومن خلال طاولة حوار برعاية دولية، لأن حواضر البيت اللبناني لا تغني ولا تثمن عن جوع.
فالمرحلة الراهنة تظهر أن كفتي الميزان تملكان أثقالهما في هذه المرحلة لجهة التعادل السلبي.. إلا أن لعبة عض الأصابع قد تسجل تطورات ليست في الحسبان.
وربما ينبغي توجيه الاهتمام إلى حيث يمكن تسجيل هذه التطورات، ومتابعة الأخبار التي تتحدث عن نية إسرائيلية لإزالة نقاط عسكريّة أقامها حزب الله عند الحدود مع لبنان، بالقوّة. وذلك من خلال الاستعداد لتنفيذ عملية هندسية لإزالة هذه النقاط، باستخدام الجرافات والدبابات.
وفي طيات مثل هذه الأخبار بيت القصيد لما يمكن أن تؤول إليه لعبة عض الأصابع الحالية، سواء اقتصر التنفيذ على “عمليات نوعية” واستعراض عضلات إسرائيل و”حزب الله”، او تطور الأمر إلى أكثر من ذلك، مع ما يعنيه هذا “الأكثر من ذلك” من مغامرة عسكرية مفتوحة على احتمالات معروفة بداياتها ومخيفة ومجهولة نهاياتها، بما يعيد خلط الأوراق، وينقل الأزمة الحالية إلى آفاق يستحيل معها البحث في هوية رئيس الجمهورية ومواصفاته، ويستوجب أكثر من طاولة حوار تذلل العقبات بين القوى السياسية اللبنانية المتمرسة خلف مواقفها الحالية.
وبانتظار وضوح الرؤية، ستبقى هدايا العيد تنهمر على رؤوس اللبنانيين.. وكل أضحى والضحايا بخير..
سناء جاك