وفي اليوم الثالث بعد الجريمة المزدوجة التي ضربت بشري وهزّت لبنان، كان السؤال: أين القضاء ليكشف حقيقة ما جرى؟ بعدما ساد القلق لبنان، ولا سيما بشري التي شيعت ولديها هيثم ومالك طوق الى مثواهما الأخير. لكن الجيش، وفق معلومات «نداء الوطن»، بدأ تحقيقاته التي تتسم بوتيرة سريعة وجمع الأدلة لتكوين خارطة طريق الأحداث ورسم صورة لما حصل. كما افادت المعلومات عن توقيف 22 شخصاً. ونفت توقيف اي ضابط من الجيش.
وبدا ان الجيش يثابر على التحقيق في الجريمة المزدوجة متصدياً لأي تحريف في هذا المسار. ومن نماذج هذا التحريف، الكلام المتعجّل عن «مسافة قريبة» أطلقت منها النار على الضحية الاولى، أي هيثم طوق. وسرعان ما تبين ان المسافة التي أطلقت منها الرصاصات الجانية، تبلغ 200 متر. وهذا المعطى يعزّز مجدداً فرضية القنص والقتل المتعمد عن سابق تصوّر وتصميم.
وشرحت اوساط واسعة الاطلاع لـ»نداء الوطن» الظروف المحيطة بما جرى في القرنة السوداء، فقالت إنه نتيجة الحوادث التي كانت تحصل في الاعوام الماضية، وتجنباً لحوادث كبيرة جداً في هذه المنطقة، بُذل جهد كبير كي يصدر قرار رسمي عن الحكومة بتكليف الجيش بإنفاذ القانون، وهذا ما يفترض أنه حصل بدءاً من شباط الماضي. لكن منذ ذلك الوقت، وقعت حوادث عدة جانبية وثانوية، وكان يفترض الا تقع، ما ولّد إنطباعاً بأن لا قرار رسمياً صدر بعد عن الحكومة، وبالتالي لم يتسلمه الجيش. علماً ان منطقة القرنة السوداء وعرة جداً الى درجة ان قوى الامن لا تستطيع الصعود اليها. ويبقى الجيش هو الوحيد القادر على كشف من ارتكب الجريمتَين. لكن الخوف هو عدم تمكن الجيش من توقيف هؤلاء المرتكبين، ما سيؤدي الى دخول المنطقة في كرّ وفرّ خصوصاً ان قتل هيثم طوق كان نتيجة استهداف.
وتخلص الاوساط نفسها الى القول: «إذا لم يتم خلال الساعات الـ 48 المقبلة، او في الايام القليلة المقبلة، توقيف القتلة فهناك خطورة ان تذهب الامور الى مكان آخر».
ووسط هذا المشهد المشدود، جاء كلام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي خلال ترؤسه امس مراسم جنازة الضحيتين، ليبلغ أعلى مراتب الوضوح والصراحة، إذ دعا إلى «ترسيم الحدود في منطقة القرنة السوداء وإنهاء الفتنة». وقال: «إننا نؤمن بالدولة ونعرف حدودنا ونعرف القاتل وهذه ليست مجرد حادثة». لكنه تخوّف من «أن يستمرّ القضاء بتخاذله فيفلت المجرمون من يد العدالة وسيشرّع ذلك الأبواب لشريعة الغاب».
وفي ملاقاة الموقف الواضح والصريح للبطريرك الراعي، ظهر تصميم في المقلب الجغرافي الآخر لبشري أي بقاعصفرين، التي تقاسمت وبشري عبء الجريمة المأسوية. فشددت بلديتها على وأد الفتنة بإعلان الحداد متضامنة مع جارتها بشري. كما طالب إتحاد بلديات الضنية، وبينها بقاعصفرين، بإعلان حقيقة ما جرى وانزال العقاب بمرتكبي الجريمتين.
وكي لا يكون دفن الشابين هيثم ومالك طوق، هو أيضا بمثابة عملية دفن للمسار القضائي، كشفت مصادر سياسية لـ»نداء الوطن» عن معطيات على درجة كبيرة من الأهمية، لم يمضِ عليها سوى أيام فقط، تندرج تحت عنوان «معالجة الاشكال الذي حصل بين عدد من شبان منطقة البيرة – راشيا إثر حادث سير وخلافات شخصية». ووفق هذه المعطيات، تبيّن ان الحادث الذي وقع في 30 حزيران الماضي، كاد ان يفضي الى توتر مذهبي درزي – سني. لكن مرجعيات الطائفتين تنبهت الى أبعاد هذا التوتر الذي يستشف منه فتنة مذهبية، فسارعت الى ضبط ردود الفعل. واستعادت المصادر مشهد ردود الفعل بعد جريمتي القرنة السوداء، فرأت تماثلاً مع ما جرى في راشيا لجهة مسارعة القيادات الأساسية في الطائفتين المارونية والسنيّة الى محاصرة حريق الفتنة قبل انتشاره في هشيم الغضب والحزن في بشري.
ودعت المصادر الى التنبه الى ما سمّته «الفتنة المتنقلة» التي تريد إيجاد بؤر توتر على امتداد لبنان في مناطق الطوائف التي تشكل البيئة الحاضنة للمعارضة التي تقف في مواجهة جماعة الممانعة ومشروعها للهيمنة على لبنان. ولفتت المصادر نفسها الى وجود خيوط تؤدي الى توجيه اصابع الاتهام الى طرف إقليمي يسعى الى إرباك لبنان بمسلسل «الفتنة المتنقلة» كي يدفع الطائفة السنيّة تحديداً الى الالتحاق سياسياً به.