تبادل حزب «القوات اللبنانية» و«حركة أمل» الاتهامات بتعطيل مجلس النواب بعد 8 أشهر على الفراغ الرئاسي، بغياب أي أفق لكسر الجمود القائم، رغم المحاولات الدولية، وبينها المساعي الفرنسية لعقد طاولة حوار تجمع أقطاباً مؤثرين في القوى السياسية هذا الشهر.
وبدا أن الملف الرئاسي معلق، على ضوء الانقسام العمودي بين قطبين لا يمتلك أي منهما أكثرية الثلثين في البرلمان لانتخاب رئيس في الدورة الأولى، وتأمين نصاب الثلثين في الدورة الانتخابية الثانية، بموازاة تحركات دولية لمحاولة إحداث خرق في الجمود وتقريب وجهات النظر بين القطبين، وما يسعى إليه الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الذي يُنتظر أن يصل لبنان بعد منتصف الشهر الحالي، لعقد طاولة حوار بين القوى الرئيسية.
وضاعفت التعقيدات التي تحيط بالملف الرئاسي، التوتر السياسي في الداخل، حيث اتهم حزب «القوات اللبنانية» رئيس مجلس النواب بتعطيل البرلمان. وقال عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب بيار بو عاصي إن «الدولة ومؤسساتها مخطوفة اليوم من حزب الله وحركة أمل والمتواطئين معهما». وأضاف: «منذ اليوم الذي استأثر فيه الثنائي بمفاصل الدولة، ضرب بعرض الحائط الدستور والقوانين والأنظمة، ودمر علاقات لبنان بالعالم وبشكل أساسي الدول العربية، وانعكست سياساته انهياراً سياسياً واقتصادياً ومالياً واجتماعياً».
وشدد بو عاصي في تصريح له ضمن تجمع حزبي، على أن «الاستقرار السياسي أساسي، ولا يمكن تحقيقه ما لم يتم احترام الدستور والقوانين». وسأل: «أين نحن اليوم من احترام الدستور والقوانين؟ بأي حق يشل النائب ورئيس حركة أمل ورئيس مجلس النواب نبيه بري المجلس النيابي؟ هو انتخب لتفعيل العمل البرلماني أم لشله؟».
وتابع: «لا صلاحيات من دون نص. أتحداه أن يعرض سطراً واحداً يعطيه صلاحية شل المجلس النيابي. ببساطة، تجاوز الدستور والأنظمة والقوانين مستنداً إلى وهج السلاح وميثاقية واهية وتواطؤ ضعفاء النفوس والمنتفعين».
اتهامات بو عاصي لبري، تأتي على خلفية عدم دعوة رئيس المجلس إلى جلسة نيابية لانتخاب رئيس، وذلك في ظل غياب أي أفق لإحداث خرق في الملف السياسي المغلق، فيما يقاطع حزب «القوات» و«التيار الوطني الحر» و«حزب الكتائب»… وغيرهم، معظم الجلسات التشريعية في البرلمان، في ظل الشغور الرئاسي، ويتمسكون بموقف قانوني يقول إن البرلمان تحول إلى هيئة ناخبة منذ تشرين الأول الماضي، وبالتالي لا يجوز التشريع في هذه الفترة قبل انتخاب رئيس، وهو موقف إشكالي تختلف القوى السياسية على تفسيره.
واتهم عضو هيئة الرئاسة في «حركة أمل» وعضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب قبلان قبلان، رافضي المشاركة في جلسات البرلمان والحكومة بالتعطيل. وقال في تصريح: «يخطئ الظن من يعتقد أن التدمير الممنهج والمدروس لمؤسسات الدولة وتعطيلها على النحو الذي يفعله من لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية، ولا يريد للمجلس النيابي أن يقوم بواجباته، ولا يريد للحكومة أن تجتمع وتتحمل مسؤولياتها وهو يعتقد إذا ما انهار البنيان قد يكون له موقع ومكانة أفضل فهو واهم»، مضيفاً: «إذا غرق المركب فسيغرق الجميع». وسأل: «لماذا الرهانات الخاسرة لأجل إشباع رغبات شخصية أثبتت التجارب كم هي مكلفة ومدمرة على لبنان واللبنانيين؟».
وينظر داعمو ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية إلى أن الحوار هو السبيل الوحيدة لإنهاء الشغور المستمر. وقال قبلان: «دعونا للحوار مرات، ورُفضت الدعوات التي وجهها الرئيس بري وكذلك هم يرفضون دعوات الحوار التي ينصح بها أصدقاء لبنان». وسأل: «ماذا يريدون؟ هل ممنوع لنا أن نقول إننا مع فلان كرئيس للجمهورية؟».
وتابع قبلان: «نحن حريصون على أن نكون جنباً إلى جنب مع الجميع، نحن لا نقبل لأنفسنا أن نتقدم على أحد من شركائنا في الوطن، لكن بنفس الوقت لا نقبل أن يتقدم أحد علينا». وسأل: «لماذا الإنكار بأن يكون لنا الحق أن ندعم مرشحاً ما (فرنجية)؟ لماذا رفض الحوار؟». ورأى أن «القصة أكبر من رئيس الجمهورية، لماذا ممنوع على المجلس النيابي العمل وممنوع على الحكومة أن تعمل».
غير أن الدعوة للحوار لا يوافق عليها كثيرون من معارضي وصول فرنجية، ويعدونها حواراً على إيصاله فقط، وهو ما يعارضه «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» و«الكتائب»، ويشترط بعضهم إسقاط اسم فرنجية من قائمة المرشحين لقاء التحاور على مرشح.
ورأى عضو كتلة «الكتائب النيابية» النائب الياس حنكش في تصريح إذاعي أنه «لا يمكن الذهاب إلى حوار لمجرّد تمرير الوقت ولغرض إقناعنا بمرشح حزب الله سليمان فرنجية، ولا يمكن للنائب محمد رعد أن يقول لنا (لنرَ من نفسه أطول) لأن الموضوع ليس صراعاً في حلبة بل موضوع وطني بامتياز، ويجب علينا جميعاً إنقاذ لبنان ممّا وصل إليه».
وقام معارضو وصول فرنجية بجولة خارجية في الأسابيع الماضية للضغط على فرنسا للتخلي عن مبادرة حُكي عنها، تشمل انتخاب فرنجية والاتفاق على تسمية رئيس حكومة يطمئن القوى المعارضة له، وشملت الزيارة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والسويد.
وقال حنكش: «في كل بلد زرناه حققنا أهدافاً، واستطعنا فرملة المبادرة الفرنسية»، لافتاً إلى كتاب من سيناتور في الولايات المتحدة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، وكتاب من الخارجية الأميركية إلى الفرنسية يسهم بعدم اعتماد مرشح تفضيلي، مضيفاً أن آخر اجتماع في فرنسا كان مع وفد الصداقة اللبناني الفرنسي «وتمنى علينا نواب فرنسيون إصدار بيان مشترك، ورفضنا أن تُسمّي فرنسا مُرشحاً لأننا نعده تدخلاً بالشؤون الداخلية اللبنانية».