ما زالت التوترات التي اندلعت منذ اسابيع في المانيا بين آلاف المهاجرين الذين يحملون الجنسية اللبنانية وبين المهاجرين السوريين الذين فروا من سوريا بعد العام 2011 مستمرة حالياً. وأخذت هذه التوترات شكل حرب شوارع يجري فيها استخدام العصي والآلات الحادة وما شابه، ما دعا أجهزة الأمن الالمانية الى التدخل وتوقيف مئات المشاركين في النزاع. ويقول الدكتور رالف غضبان الاختصاصي في الهجرة، والمقيم في المانيا، في اتصال بـ»نداء الوطن»، أنّ رحى هذه المواجهات تدور في غرب المانيا، وتحديداً في محافظة دوسلدورف التي تضم مدنها الرئيسية، ولا سيما أسن عشرات الألوف من المهاجرين من لبنان وسوريا. وقال إنّ خلفية التوتر بين الجانبيَن تعود الى النزاع على العمل في الصناعات الغذائية والمطاعم، إضافة الى تجارة المخدرات والأعمال الاجرامية وفرض الخوات.
ففي مدينة أسن التي كانت تضم جالية لبنانية تعدادها 7 آلاف نسمة هي الأكبر عربياً، اصبحت الآن أقل عدداً مقارنة بالجالية السورية التي بلغت 18 الف نسمة. وعزا الغضبان هذا النمو السريع في عدد المهاجرين السوريين الى السياسة التي اعتمدتها المانيا في زمن المستشارة انجيلا ميركل التي فتحت أبواب الهجرة بعد اندلاع الحرب السورية عام 2011 . وما زالت هذه السياسة معتمدة ما أدى الى بلوغ عدد السوريين حالياً نحو مليون مهاجر.
Ads by Ad.Plus
من هم اللبنانيون الذين في حالة نزاع مع السوريين هناك؟ يجيب غضبان: إنّ هؤلاء اللبنانيين، هم أكراد نالوا الجنسية عام 1994. ويعود أصلهم الى عشائر المحلمية في دير الزور. وبفضل هؤلاء المجنّسين الذين ينتمون سياسياً الى «جمعية المشاريع» ويتحالفون مع «حزب الله»، وصل الى البرلمان في الانتخابات النيابية العام الماضي النائبان طه ناجي وعدنان طرابلسي. وبفضل هذا الانتماء السياسي نشأت روابط وثيقة مع «الثنائي الشيعي»، وتالياً مع المهاجرين اللبنانيين الشيعة الذين يعيشون حالياً في المانيا.
وحاول الأكراد الذين يحملون الجنسية اللبنانية، أن يستثمروا في لبنان بفضل الامكانات المالية التي توافرت لديهم بعد هجرتهم، لكن تدهور أحوال لبنان الاقتصادية في الأعوام الاخيرة، دفعهم الى توجيه هذه الاستثمارات نحو منطقة «الريفييرا» في تركيا حيث صاروا من كبار الملاكين فيها. فضلاً عن أنّ تركيا اصبحت تحيطهم بالرعاية ومنحتهم الجنسية، وصارت تعتبرهم مواطنين اتراكاً، وهو ما جاهر به وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، عندما زار لبنان عام 2021، والتقى في بيروت أركان الجالية في منزل محمود توفيق عميرات.
ويشير الغضبان الى أنّ اللبنانيين الذين هاجروا الى المانيا منذ عقود، هم إما مسيحيون اندمجوا بالمجتمع الالماني، وإما شيعة كانوا من سكان «حزام البؤس» ما قبل عام 1975. وتبلغ نسبة البطالة في صفوف هؤلاء نحو 80 في المئة ويعيشون بفضل الإعانات التي يتلقونها على أساس عدد أفراد الأسرة، لذلك يتكاثر أفراد الأسرة بهدف الحصول على المنافع الاجتماعية.
من مفارقات ما يجري في حرب الشوارع في المانيا، انها تكاد تكون صدى لأزمة لبنان مع النزوح السوري الذي ادى الى تنافس على لقمة العيش. وكأن «القلة التي توّلد النقار»، هي في المانيا كما في لبنان، وفي كل مكان.