بوصول حاكمية مصرف لبنان في نهاية تموز الجاري الى شغور المنصب، يتكرس واقع الشغور في المواقع المسيحية الرئيسية، كما تتكرس حقيقة خلفيات تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، المرشح ان يتمدد حتى انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون مطلع السنة المقبلة.
لا يراد من هذا الشغور استهداف الطائفة المسيحية، وهي لم تعد في موقع يشكل خطرا على الطوائف الأخرى، بعدما أمعنت قياداتها في تشتيت قواها وضرب مقوّمات نفوذها في الدولة، وإضعاف قدراتها لمصالح خاصة وحسابات شخصية. بل ان الهدف يرمي الى افراغ الدولة ومؤسساتها، بعدما تم تدمير البنى التحتية والخدماتية للاقتصاد ولعناصر القوة التي يتمتع بها النموذج اللبناني، تمهيداً لإحلال النظام الجديد.
في هذه المعركة، سقطت اول مؤسسة دستورية، تلك الممثَّلة برئاسة الجمهورية. وبعد ثمانية اشهر ونيف على الشغور في الموقع الماروني الأول، يفرغ موقع ثانٍ لا يقل أهمية ووزناً هو موقع الحاكم، تمهيداً للمعركة المقبلة على موقع قيادة الجيش بعد بضعة اشهر، فيما القيادات المسيحية منشغلة في حساباتها الخاصة والمتصلة بكيفية الفوز برئاسة ستفرغ بعد حين من حجمها.
لم يكن “الثنائي” في حاجة الى سيناريو تهديد نواب الحاكم بالاستقالة، وهو يعي انه لا يغير في واقع الأمور شيئا، باستثناء انه يرفع مسؤولية التعطيل عن هذا الفريق ويحقق له الفوز بإدارة السلطة النقدية، بعدما كرّس توقيع طائفته على السلطة المالية الممثلة بوزارة المال.
كان يمكن تفادي البيان المثير لشتى الانتقادات لنواب الحاكم لو وافقت القيادات المسيحية على جلسة حكومية لتعيين حاكم جديد، فكانت بذلك قذفت بكرة التعطيل الى ملعب “الثنائي” الرافض كلياً أي جلسة حكومية مخصصة لتعيينات قبل انتخاب الرئيس.
فالتهديد بالاستقالة لا مفاعيل عملية له، كما قال وزير العدل في حكومة تصريف الاعمال هنري خوري. وحتى لو حصلت، فهي لا تعني التوقف عن ممارسة العمل لأنها في حاجة الى موافقة رسمية عليها. وهذا الامر من صلاحيات وزير المال الذي سيلجأ اليها اذا حصلت الاستقالة، على نحو يصدر قراراً يطلب بموجبه من نواب الحاكم الاستمرار في عملهم حتى تعيين حاكم جديد. وهذا يعني ان التهديد بالاستقالة لم يهدف إلا لتوجيه رسالة ترمي الى رفع المسؤولية لا أكثر. اما الواقع، فإن الأول من آب المقبل سيكون يوماً جديداً هو الأول من نوعه يفتقد الحاكم رياض سلامة بعد ثلاثة عقود من تولّي الحاكمية. وهو لن يبقى في المشهد الخلفي ولن يمدد له تقنياً. اما القرارات والتعاميم المتصلة بالسياسة النقدية، ورغم ان الحاكم مدد لسياسته حتى نهاية السنة، إلا انه يعود للمجلس المركزي في مصرف لبنان ان ينقض تلك التعاميم اذا رأى حاجة لذلك من خلال تعديلها، بما يتناسب مع التوجهات النقدية الجديدة التي سيتولى رسمها وصوغها الحاكم الجديد… بالوكالة!