لم يكف حر تمّوز لوضع الطبخة الرئاسية على نار حامية، بل إن منسوب البرودة من المرجّح أن يرتفع في الأيام المقبلة، لأن المراوحة سمة المرحلة، ومن غير المتوقع أن يحمل المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، الذي يحط بعد أيام في بيروت قادماً من اجتماعات اللقاء الخماسي، أي جديد في هذا السياق.
كثيرون يعتقدون أن الملف الرئاسي وحلّه مرتبط بالاتفاق الأميركي الإيراني، ويؤكّد هؤلاء صوابية نظرتهم بالقول إن الاتفاق السعودي الإيراني الذي انعكس على اليمن والعراق لم يكن له نتائج تُذكر في لبنان، ولن يتغيّر الحال إلّا بعد تفاهم طهران وواشنطن، مذكّرين بتجربة 2015، وفي هذا الإطار، سرّبت صحيفة “هارتس” العبرية معلومات عن وجود اتفاق نووي “غير مكتوب”.
وفق المعلومات المنقولة، فإن الاتفاق يجمّد البرنامج النووي في طهران مُقابل تحرير بعض الأموال الإيرانية المحتجزة وإطلاق سراح سجناء، وهو غير مكتوب كي لا يكون رسمياً فيستفز الجمهوريين في الكونغرس. لكن نطاق هذا الاتفاق ضيّق ولا يشمل المنطقة ولا يُرسي تفاهمات جديدة، ما يعني أن الستاتيكو الحاصل في الإقليم مستمر ويتمدّد.
على صعيد آخر، وفي ظل الجمود المستشري، انشغلت البلاد في خبر إعلان عودة الحوار وعلى أعلى المستويات بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” بعد قطيعة استمرت لأشهر، وذلك بعدما وافق جبران باسيل على إدراج اسم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ضمن سلّة الأسماء المطروحة للبحث بين الطرفين، علماً أن رفض باسيل هذا الأمر كان العائق أمام عودة الحوار.
مصادر سياسية ومتابعة للشأن توقّفت عند عودة الحوار ولقاء باسيل بوفيق صفا، وأشارت إلى أن “حوار باسيل مع “حزب الله” لا يعني انهاء التقاطع الموجود مع المعارضة على اسم جهاد أزعور طالما أن “التيار” لم يُعلن موقفاً مماثلاً لهذا الأمر، بانتظار ما ستفرزه اللقاءات المقبلة، خصوصاً وأنها قد لا تكون ناجحة فتُشبه سابقاتها حينما حاول “الحزب” إقناع باسيل بفرنجية وفشل”.
ووفق المصادر، فإن المعارضة تعوّل على موقف باسيل الرافض لفرنجية ومحاولته إقناع “حزب الله” بوجهة نظره، لكنها في الوقت نفسه تستبعد تراجع “الحزب” عن فرنجية بسبب رأي باسيل، وترد ذلك في حال حصل يوماً إلى تسوية إقليمية – دولية، لكن المصادر تخوّفت من إقتناع باسيل بفرنجية مقابل ضمانات سياسية ومكاسب.
إلى ذلك، كان لافتاً اللقاء الذي عُقد بين السفير السعودي وليد البخاري والمدير العام لوزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر، والذي بحث ملفات اقتصادية وكان فرصة لإعادة إحياء مشاريع الاتفاقيات ومذكرات تفاهم مشتركة بين البلدين.
يحتاج لبنان إلى هذه التفاهمات الاقتصادية مع السعودية، خصوصاً وأنها خطوة تجاه مأسسة العلاقات بين الطرفين، وهذا ما تسعى إليه الرياض في سياق مشاريعها الداخلية والخارجية، على قاعدة ألا مساعدات مجانية، بل تبادلاً اقتصادياً وتجارياً يستفيد منه الجميع، وهو من شأنه أن يُحصّن لبنان أيضاً ويرفع من مستوى علاقاته مع السعودية.
إلّا أن عودة الاستثمارات السعودية إلى لبنان بزخم مرتبط بأكثر من عامل، منها ما هو سياسي يشترط إنجاز الاستحقاقات وتنفيذ الإصلاحات المالية، ومنها ما هو أمني، لأن رأس المال يحتاج إلى الاستقرار النسبي، والعاملان غير مؤمنين حتى الساعة في ظل الشغور الذي يوسّع رقعته من جهة، والتوتر الأمني الذي تتصاعد حدّته في الجنوب بين “حزب الله” وإسرائيل من جهة أخرى.
في هذه الأثناء، تنتظر البلاد عودة لودريان في الأيام القليلة المقبلة علّها تحمل الإيجابيات، لكن لا تعويل على ذلك، ومن الواضح أن صيفاً حاراً بانتظار اللبنانيين لن يحمل سوى المزيد من الإشكالات المتعدّدة والفراغ، ولن يُبرّد من شدّة الحرارة سوى المغتربين الذين يعودون كل صيف لإنعاش البلاد مرحلياً.