كتب أنطوان العويط
قلائل في لبنان من انطلقوا من الصفر، واكتشفوا قدسيّة العمل وأقبلوا على التعرّف إليه من منطلقات مختلفة.
قلائل من عرقوا وتعبوا وثابروا واصلين الليالي بالنهارات في ظلّ ظروف معيشيّة ومناخيّة قاسية، لم تخفّف من شظفها سوى الإرادة العظيمة والإصرار على تخطّي الصعاب واجتياز المراحل، وتحرّكها لـذّة لا يشعر بها إلاّ المؤمن ومن لا يخشى التحدّيات.
قلائل من سخّروا ذواتهم ذاهبين بالتضحية إلى مداها الأقصى، وهم يسعون إلى شقّ طريقهم في الحياة. وحفنة حفنة، مدماكاً مدماكاً، استطاعوا أن يعزّزوا في البناء وأن يزيدوا عليه ويطوّروا فيه، ليصلوا إلى ما يفتخر به الوطن والعالم.
مِن هؤلاء هو الراحل شفيق افرام الذي أرفع من خلال غيابه عنّا، سلاماً إلى رفيق دربه ومثاله الأعلى في الحياة، شقيقه الأكبر الوزير الراحل جورج افرام.
شاء الأخير أن يجعل من عالم الأعمال إلى جانب العمل الوطنيّ والمجتمعيّ، فعلًا قيميّاً، فلسفيّاً، إنسانيّاً، ذا بعدٍ أخلاقيٍّ وكيانيّ ووجوديّ، فكان أن تحوّل الأوّل معه توأماً وشريكاً.
كان شفيق افرام وكيلاً أميناً لإرث نادر لكثر من اللبنانيين، ولأبناء كسروان – جبيل، ولأسرة اندفكو، ولعائلته الصغيرة والكبيرة. حمل الأمانة بحنكة وأنفة، وكان مثالاً في الإقدام والجرأة والترفّع.
بقلب كبير مع ذكاء متّقد وبالنهفة العفويّة، أقبل على الحياة فلاقت له. وبالعطاء اللامتناهي، وبكرم حاتميّ، كلّل مسيرته بالمآثر المشرّفة حتى النفس الأخير.
لم يستقل يوماً عن واجب، ولم يحد عن موقف. لم يساوم ولم يقايض.
كان رجلاً صلباً، صبوراً، ثابتاً، ووارفاً كسنديانة لجموع غفيرة ممن ساهم في رسم ابتسامة أمل وحياة على محيّاها.
حاله هي حال حامل الوزنات الكبرى. فهي ليست، ولن تكون إلى هباء أو اندثار. بل إلى تراكم في عمل الروح مع إبنه الأخ ماريانو في الرهبانيّة المارونيّة المارونيّة، وفي الإنماء الصناعيّ مع إبنه منير، وفي تشييد جمهوريّة للإنسان والحرّية في لبنان مع إبن شقيقه جورج النائب نعمة، وإلى مزيد من الإشراق وفي خدمة الإنسان والمجتمع مع زوجته وإبنتيه وشقيقاه وشقيقاته وعائلاتهم وداخل أسرة اندفكو.
فارس إستثنائيّ ترجّل عن جواده بشهامة وشجاعة، وبالمروءة والكرامة والرأس المرفوع. هو صاحب الغيرة على الجماعة، والرمز في كِبَر النفس وحمل المعايير والخير العام.
الراحة لروحه الطاهرة، والسلام لكوكبة ممّن سبقوه من العائلة ومجموعة اندفكو، طيّبَ الله ثراه وثراهم.