تتقاطع المعطيات الداخليّة والخارجيّة على أنّ لهيب شهر آب، المالي، من شأنه أن يشكّل اختباراً إضافياً للجنوح نحو «جهنّم» الذي سبق أن تحدّث عنه رئيس الجمهورية السابق ميشال عون. وذلك، بالتوازي مع جولة ثانية سيقوم بها موفد الرئيس الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، يرتقب أن يضع خلالها المعنيين أمام مسؤولياتهم في صياغة الحلول الكفيلة بوضع حدٍّ للتحلّل المفرط لما تبقّى من مؤسسات الدولة الرسميّة بعدما صدّت الأبواب أمام مناورات الداخل الرئاسيّة.
وتأتي زيارة لودريان بيروت عقب إعادة تأكيد المجموعة الخماسيّة في شأن لبنان في اجتماعها الثاني قبل أسبوع في العاصمة القطرية الدوحة، فحوى ومضمون البيان الذي شكّل ركيزة لانطلاق العمل الدولي المشترك والمرتبط بالملف اللبناني، بين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربيّة السعوديّة، قبل انضمام قطر ومصر إليها، والذي صدر بعد اجتماع وزراء خارجيّة الدول الثلاث على هامش الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة في 21 أيلول 2022. واعتبرت أوساط متابعة للإتصالات الجارية، أنّ انسداد أفق المبادرات الداخليّة واستعاضة الفريق الممعن في تعطيل المسار الدستوري لانتخاب رئيس الجمهورية، بدعوات متكرّرة إلى الحوار، دفعا المجموعة الخماسيّة إلى إعادة تأكيد مرجعيّة أيّ حركة سياسيّة، حوار أو مباردة من شأنها أن تؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وذلك بإقرار الدول الخمس في بيانها بـ»أهميّة تنفيذ الحكومة اللبنانية قرارات مجلس الأمن الدولي والاتفاقات والقرارات الدوليّة الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك الصادرة عن جامعة الدول العربيّة، بالإضافة إلى التزام وثيقة الوفاق الوطني – إتفاق الطائف – التي تضمن الحفاظ على الوحدة الوطنية والعدالة المدنيّة في لبنان».
مع الأخذ في الاعتبار، أنّ أي حوار قد يتعدّى البحث في الإستحقاق الرئاسي، ليطاول التعيينات المرتقبة لإعادة الحياة والفاعليّة إلى مؤسسات الدولة، رأت جهات سياسية، أن تشدّد أصدقاء لبنان ومطالبتهم بتطبيق قرارات الشرعيّة الدوليّة، ولا سيّما القرارين 1559 و1701 كما اتفاق الطائف، رسالة واضحة إلى «الثنائي الشيعي» المتمسّك بمحاولة ترئيس الوزير السابق سليمان فرنجية، لإعادة التذكير بأنّ سلاح «حزب الله» ليس في منأى عن المداولات المطروحة، وأنّ أيّ طاولة حوار جديّ قد تضع مستقبل هذا السلاح «غير الشرعي» في سلّم جدول أعمالها، قبل الولوج إلى الإصلاحات الإداريّة (اللامركزية الإداريّة)، وإدارة أصول الدولة، والصندوق السيادي، والتعيينات الإداريّة والماليّة والعسكريّة، وصولاً إلى تعديل قانون الإنتخابات، وفق ما أعلن نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم قبل أيام، مطالباً باسم «الحزب» بتخفيض سنّ الإقتراع إلى 18 عاماً.
توازياً، ورغم التقاطع الظرفي بين أطياف المعارضة ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على الاقتراع للوزير السابق جهاد أزعور، وسحب الغطاء النيابي المسيحي من أمام المبادرة الرئاسيّة الفرنسيّة، المستمرّة في مراعاة هواجس «الثنائي الشيعي» الرئاسيّة، استغربت الأوساط المتابعة للإتصالات الإستسهال اللبناني أو الإستخفاف بتوجّه الدول التي تسعى إلى مواكبة لبنان في أزمته، لتعيد التأكيد على أنّ الموفد الفرنسي يسعى إلى التعامل مع الأزمات اللبنانية بطريقة عمليّة لتحقيق أهداف مفيدة وواضحة وتنفيذ إجراءات ملموسة.
وذلك، مع تصاعد وتيرة التصعيد بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وإعادة استنهاض عصا العقوبات، أميركياً وأوروبياً في وجه إيران وأذرعها في المنطقة. ما دفع المطلعين إلى استبعاد أن تعمد إيران عبر «حزب الله» إلى المهادنة لبنانياً والمساومة على مرشحها الرئاسي، بعدما بدا جلياً أنّ اتفاق بكين (السعودية/إيران) لم يشمل الملف اللبناني، الذي أضحى بدوره مسرحاً للرسائل التصعيديّة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، فيما تسعى فرنسا إلى انتزاع دور توفيقي لها بين الطرفين، يضمن مصالحها الاستثماريّة على شاطئ البحر المتوسط.