أيلول التسوية: باسيل يسأل أم يجيب؟

بين آب وأيلول ما الذي يُمكن أن يتغيّر كي يُصبِح الحوار مُمكِناً ورئاسة الجمهورية مشروعاً جاهزاً للتطبيق؟
بعد جلسة 14 حزيران التي انتهت بشبه تعادل سلبيّ بين سليمان فرنجية وجهاد أزعور بفارق ثمانية أصوات لصالح الأخير تحرّكت ماكينة الثنائي الشيعي داعية إلى الحوار… ومن بين السطور “الحوار في ترشيح فرنجية”.

قابل هذه الدعوة استنفار مضادّ رافض للحوار بكلّ أشكاله مع الدعوة المتكرّرة إلى فتح أبواب المجلس حتى انتخاب الرئيس في جلسات متتالية.

مهّد هذا التصادم الرئاسي إلى دخول فرنسي متجدّد على الخط من خلال تكليف وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان مهمّة متابعة ما بدأ به باتريك دوريل. زيارتان للودريان لبيروت، ولقاءات بالجملة مع الكتل النيابية ونواب ومرشّحين للرئاسة وقائد الجيش وشخصيّات صديقة للفرنسيين… وما بينهما انعقد لقاء الدولة الخماسي الذي حَمَل عصا العقوبات من دون تبنّي أسماء رئاسية، لينتهي الأمر بـ “دعوة فرنسية إلى حوار في أيلول في مواصفات رئيس الجمهورية وبرنامج عمله” من دون رصد أيّ موقف حتى الآن من جانب الرافضين سابقاً للحوار، وعلى رأسهم القوات اللبنانية.

المفارقة أنّ لودريان خلال زيارتَيه للبنان لم يَسمع سوى آراء القيادات اللبنانية في “مواصفات الرئيس المقبل والبرنامج المنتظر منه”. يستطيع لودريان أن يُسمّع غيباً ما ردّده هؤلاء أمامه!
فهل ينتظر الفرنسي، ومن خلفه الأميركي والقطري والسعودي والمصري، انعقاد طاولة حوار للوصول إلى قواسم مشتركة بين هذه الآراء المتضاربة التي ما تزال تبدو صعبة التحقيق، أم الوقت الباقي حتى أيلول قد يحمل معه بوادر تسوية ما تَضَع “الفَرض” الدولي على طاولة حوار أيلول ولن يكون على اللبنانيين سوى التنفيذ وملء الفراغات بالرئيس المناسب.

وفق المعلومات، لم يتوصّل الحزب والتيار حتى الآن إلى نتيجة ملموسة في شأن ما يفرضه باسيل من مطالب تَسبق انتخاب رئيس الجمهورية

الفرصة الأخيرة
وَصَف لودريان حوار أيلول أمام بعض من التقاهم بـ “الفرصة الوحيدة والأخيرة” من دون أن يتلمّس هؤلاء معطيات جدّيّة من الزائر الفرنسي تنبئ بتحوُّل الملفّ اللبناني إلى “مادّة للنقاش الحامي” على طاولة التسوية المنتظرة.
لكنّ المهلة الفاصلة عن أيلول قد تحمل تطوّرات داخلية يتقدّمها الحوار القائم بين الحزب والتيار الوطني الحرّ. في مقال نَشَره موقع “أساس” في 20 أيار الماضي عَكَس موقفاً ضمنياً لباسيل أخذ طريقه إلى العلن للمرّة الأولى في عشاء التيار الوطني الحر مساء الأربعاء في المتن الشمالي. فقد أشار المقال إلى عدم ممانعة باسيل السير بترشيح فرنجية مقابِل الحصول على مطالب أساسية من أصحاب القرار، تحديداً الثنائي الشيعي، قبل أن يتوجّه إلى جلسة يكمل فيها نصاب الالتئام ويترك لكتلته النيابية “الفارِطة” من الداخل حرّية التصويت لفرنجية.

أوّل المطالب، كما وَرَد في المقال، إقرار اللامركزية الإدارية وسلّة إصلاحات من ضمنها الصندوق السيادي. ولأسباب مرتبطة بباسيل نفسه، ما يزال يُراهِن على تسوية قد تشمل فرنجية (بسبب إصرار الحزب على تبنّي ترشيحه) أو أيّ مرشح آخر… لكن ليس قائد الجيش العماد جوزف عون.

ثمن التسوية
ردّد باسيل في أيار أمام محازبيه: “انتخاب فرنجية يُناسِبنا لكن مع سلّة مطالب” وَصَفها في الخطاب الذي ألقاه في المتن بـ “الثمن”، حيث قال: “ثمن مرشّحهم لرئاسة الجمهورية بالنسبة لنا لن يكون أقلّ من لامركزية موسّعة يُدفع ثمنها سلفاً عبر إقرارها بقانون، وصندوق ائتماني يدفع ثمنه سلفاً أيضاً عبر إقراره بقانون، مع برنامج لبناء الدولة”. ثمّ كرّر باسيل مساء أمس أمام محازبي التيار في الشوف “عدم المقايضة على رئاسة الجمهورية وصلاحيّاتها وموقعها، بل نحن نأخذ ثمن الاسم على 6 سنوات”.
هكذا بات القبول في الشارع العونيّ بفرنجية (بوصفه المرشّح الأوحد حتى الآن للحزب) مُمكِناً. أصلاً يتصرّف باسيل من منطلق أنّه الممرّ الطبيعي والمحتّم لأيّ ترشيح. وهو تقصّد من خلال التصويت لأزعور وتبنّي ترشيحه لأيام معدودة القول للحزب إنّه “حاجة إن لمعسكر المعارضة أو معسكر الثنائي الشيعي”.

بعد 14 حزيران طوى باسيل سريعاً صفحة أزعور وجلس قبالة الحزب يفاوِضه على مرشّحه فرنجية وأسماء أخرى طرحها من ضمنها زياد بارود، مذكّراً وفيق صفا بأنّ “فرنجية ما بيعمل رئيس من دوننا”.

يقول متابعون: هذه المرّة عاد لودريان إلى بيروت ناطقاً باسم المجموعة الخماسية فاتحاً الباب أمام خيارات رئاسية أخرى إضافة إلى فرنجية

صانع رؤساء؟
لكن هل يستطيع باسيل أن يكون فعلاً “صانع رؤساء”؟ وهل الحجم السياسي للتيار الذي “زمّ” كثيراً في السنوات الماضية يؤهله لذلك؟
وفق المعلومات، لم يتوصّل الحزب والتيار حتى الآن إلى نتيجة ملموسة في شأن ما يفرضه باسيل من مطالب تَسبق انتخاب رئيس الجمهورية، ولا سيّما أنّ الرئيس برّي له الكلمة الفصل في قوانين يفترض، بهذه الحال، أن تُقرّ بمطرقته النيابية.
الأبواب مفتوحة على اختراقات محتملة، ولذلك يبدو نائب البترون مزهوّاً بدورٍ يوحي من خلاله أنّه “الكلّ بالكلّ” إلى درجة إشهار المقايضة حول رأس الرئيس، و”إلا افشلوا لوحدكم وتحمّلوا تبعات فشلكم وحدكم”.
يقول متابعون في هذا السياق: “هذه المرّة عاد لودريان إلى بيروت ناطقاً باسم المجموعة الخماسية (واشنطن، السعودية، قطر، مصر، فرنسا) فاتحاً الباب أمام خيارات رئاسية أخرى إضافة إلى فرنجية. إذا رَسَت التسوية على فرنجية فلا مشكلة، إذ تتقاطع مع مسار داخلي ناشط على خطّ باسيل والحزب، لكنّ أيّ دور سيكون لباسيل إذا رست التسوية على قائد الجيش القادر على الاستحواذ على “ميثاقية مسيحية” مريحة مع دعم شيعي من الثنائي معاً أو من برّي ومن دون أصوات نواب باسيل؟”.

في خطابه الأخير بدا باسيل طوباويّاً لجهة إعلان رفضه تقديم “حصّة حرزانة لنا الآن وحصّة كاملة بعد 6 سنين لأنّنا نريد مشروع الدولة وبرنامج الرئيس”، ملمّحاً إلى وَعد من الحزب، على الأرجح، بانتخابه رئيساً للجمهورية في العهد المقبل، وبدا زاهداً حتى بمكاسب في قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان وكلّ الحكومة والإدارات.

اترك تعليق