ما كان مجرّد تقدير حذر، تحوّل بسرعة كبيرة إلى واقع قائم، إذ إن الأيدي التي تقف خلف الانفجار الأمني المفاجئ في مخيم عين الحلوة لا تبدو خارج سياق ما تدبّره جهات في لبنان وفلسطين، مع تأثير للعدو في ما يجري. السؤال الأساسي هو: هل ما يشهده مخيم عين الحلوة يُعدّ ترجمة أولية لزيارة رئيس مخابرات السلطة الفلسطينية ماجد فرج لبيروت الأسبوع الماضي؟
المسؤول الأمني الفلسطيني طلب زيارة لبنان منذ أكثر من شهر، وكان في جعبته عدد من الأهداف، بينها ترتيب الوضع داخل القيادتين العسكرية والسياسية لفريق السلطة في لبنان، بدءاً بوضع السفارة الفلسطينية ومعالجة الشكاوى ضد السفير أشرف دبور، وهي شكاوى تجاوزت الفلسطينيين لتصل إلى جهات رسمية لبنانية، بينها رئيس لجنة الحوار باسل الحسن، مروراً بالوضع الأمني والعسكري في مخيمات الجنوب، حيث يريد فرج أن تلعب فتح دوراً في «كبح جماح» فصائل المقاومة الفلسطينية التي باتت قادرة على قصف مستعمرات العدو بالصواريخ، وصولاً إلى إبداء فرج، ومن خلفه سلطة رام الله، بالتنسيق مع الأميركيين والإسرائيليين، الاستعداد لإجراء مقايضة مع السلطات اللبنانية، يُعرض فيها ضبط السلاح المتفلّت في المخيمات الفلسطينية وتسليم جميع المطلوبين للدولة، مقابل أن تضيّق بيروت على النشاط السياسي والعسكري لحركتَي حماس والجهاد الإسلامي.
ad
وقد أكثر فرج من التحريض على قيادة حركة حماس، خصوصاً نائب رئيس المكتب السياسي الشيخ صالح العاروري، المسؤول الفعلي عن جناح الحركة في الضفة الغربية، والذي يحمّله العدو وأجهزة السلطة، المسؤولية عن تمويل مجموعات المقاومة في الضفة بالمال والسلاح. كما كان فرج مهتمّاً بمحاولة عقد صفقة مع قيادة الجهاد الإسلامي لضبط الوضع في شمال ووسط الضفة الغربية، وطلب عقد اجتماع مع الأمين العام للحركة زياد نخالة، غير أن الأخير رفض اللقاء، فجرت الاستعاضة عنه باتصال هاتفي، أكّد خلاله النخالة أن المقاومة غير معنية بأيّ نوع من التفاوض، وطالب فرج، ومن خلفه السلطة، بإطلاق جميع المعتقلين من أعضاء الجهاد في الضفة، ووقف المطاردات الأمنية الجارية ضدهم في مدن الضفة ومخيماتها.
ad
عملياً، لم يحصد فرج من زيارته سوى وضع تصوّر دموي لتحقيق أهدافه. فهو من جهة، ناقش خطة لتوحيد أجنحة حركة فتح ولو بالقوة، وناقش من جهة ثانية، الطريقة الأفضل لضبط القوى الإسلامية في المخيم. ورغم أن فرج يعرف، من داخل المخيمات ومن خارجها، أن أي معركة مفتوحة بين فتح والإسلاميين ستنتهي سريعاً بطرد فتح، لم يبد مهتماً بهذه النتيجة، بقدر ما كان همه منصبّاً على وقوع الفتنة، وهو ما لم يكن ممكناً أن يحصل مع حركتَي الجهاد وحماس اللتين ترفضان أي مواجهة في مخيمات لبنان أو داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. لكنّ فرج، لا يعنيه من الأمر، سوى رفع منسوب التوتر مع القوى الإسلامية، لاعتقاده بأن ذلك، سينعكس توتراً بين قواعد فتح من جهة وقواعد حماس والجهاد في الضفة الغربية، وقطع أي نوع من التواصل بين قواعد الجهتين، خصوصاً أن المعطيات التي زوّده بها العدو تؤكد أن قسماً كبيراً من الشباب الفلسطينيين المنخرطين في عمليات المقاومة داخل الضفة، هم من شباب فتح وقواعدها.
ما جرى في اليومين الماضيين في عين الحلوة لم يجر حصره بعد، لكنّ مصادر ميدانية متابعة أشارت إلى ضرورة حصول تحقيق مهني في ظروف اغتيال الضابط الفتحاوي أبو أشرف العرموشي، إذ تظهر الوقائع أنها كانت أقرب إلى عملية إعدام وليس إلى اغتيال عشوائي. كما أشارت إلى أن عمليات الاغتيال ليس بعضُها مرتبطاً ببعض،
وأن محاولة تحميل قوى إسلامية بعينها مسؤولية ما يحصل ليست بالأمر السهل، خصوصاً أن المواجهات ليست جديدة بين فتح ومجموعات تنتمي إلى «جند الشام» أو إلى «الشباب المسلم». حتى عن عصبة الأنصار التي اتُّهمت بتوفير الحماية والدعم للمسلحين الإسلاميين، نفت علاقتها بالاشتباكات، فيما كان لافتاً إقحامها في الأمر، بعد وقت قصير من وفاة أبرز قادتها «أبو طارق السعدي»، وبدء النقاش حول إمكانية حصول تسوية تسمح لقائدها الفعلي «أبو محجن» بالتحرك براحة أكبر وسط المخيم.