فالملف الرئاسي، وإن كان اعلان الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان عن حوار حول رئيس الجمهورية في ايلول المقبل، قد اخرجه من خلف متاريس الاشتباك والسجال السياسي، فإنّه خروج مؤقت، ذلك أنّ جمره ما زال مشتعلاً تحت رماد التناقضات السياسية وانقساماتها الجذرية حول شخص الرئيس.
واذا كان لودريان قد عاد الى بلاده حاملا معه ما سمّي نجاحاً في تحقيق خرق في الجدار الرئاسي تجلى في استحصاله على موافقة جميع الاطراف على المشاركة في «حوار ايلول» الذي دعا اليه، ووضع له هدفا محددا بتوافق الاطراف السياسية في لبنان على رئيس للجمهورية، الا ان مصادر سياسية مسؤولة ابلغت الى «الجمهورية» قولها انها برغم الجدية التي ابداها لودريان في زيارته الاخيرة، ما زالت تشكك في نجاح هذا الحوار، اينما عقد سواء في المجلس النيابي او السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر، فالجدية اظهرها لودريان فقط، فيما في المقابل، واذا ما تعمقنا في مواقف الاطراف، يتبدى بوضوح عدم جدية هذه الاطراف في الانخراط في ما يريده لودريان حوارا مسؤولا يفضي في نهايته الى توافق على رئيس الجمهورية».
وتلفت المصادر الانتباه الى ان الموافقة على المشاركة في حوار ايلول، تقوم على غايات مختلفة، يرغب من خلالها كل طرف ان يتمكن من فرض خياره الرئاسي على الطرف الآخر. ثنائي حركة «امل» و«حزب الله» وحلفاؤهما، الذين يدعمون ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، موقفهم ثابت ونهائي في التمسك بفرنجية وعدم التراجع عنه لمصلحة اي مرشّح آخر، وهم بالتالي يرون في هذا الحوار فرصة لأن يميلوا الدفة الرئاسية لمصلحة فرنجية باعتباره الخيار الافضل لرئاسة الجمهورية في هذه المرحلة».
كما تلفت المصادر عينها الى ان بعض هذه التناقضات السياسية، التي سبق لها ان رفضت ايّ منحى حواري للتوافق على رئيس الجمهورية، قد ابدت تجاوبا مع دعوة لودريان الى «حوار ايلول»، فإن هذه الاستجابة لم تحكمها الرغبة بسلوك سبيل التوافق، بقدر ما هي هروب من احراج امام الموفد الرئاسي، وتجنبا لاتهامها بعرقلة الجهد الدولي الذي يقوده لودريان باسم «الخماسية». وهذا ينطبق على الجهات التي تصنف نفسها معارضة او سيادية. والتي ما زالت تهرب الى الامام بالتمسك بمن تسميه مرشح التقاطعات جهاد ازعور، برغم خروج التيار الوطني الحر من هذه التقاطعات، بما ينتزع من أزعور نسبة عالية من الاصوات التي نالها في جلسة الفشل الثاني عشر في انتخاب رئيس للجمهورية، وانزالها الى ما دون النسبة التي نالها فرنجية في تلك الجلسة.
السياديون ليسوا متفائلين
واللافت في هذا السياق، ما كشفته مصادر نيابية تصنّف نفسها سيادية لـ«الجمهورية» من أنّها لا ترى في الأفق اي فرصة للتوافق على رئيس جمهورية مع «حزب الله». وذهابنا الى الحوار لا يعني مطلقا التخلي عن مرشحنا الوزير ازعور، وتحت هذا السقف سنشارك، مع انفتاحنا على ايّ طرح بديل ومقنع، خارج المنحى الذي يعتمده «حزب الله»، بفرض مرشّحه لإبقاء يده ممسكة بالرئيس وقراره، وقرارنا النهائي اننا لن نسلم الرئاسة لـ»حزب الله»، وسنواجه اي دفع في هذا الاتجاه ايا كان مصدره».
وردا على سؤال، قالت المصادر: انها ليست متفائلة في حوار مع «حزب الله» شرطه الاساس فرض مرشّحه، ومن هنا فإن المخرج الوحيد للازمة الرئاسية يتمثل في مبادرة رئيس المجلس الى الدعوة الى جلسات انتخابية مفتوحة، تتخللها مشاورات جانبية بين كل دورة انتخاب، حتى التوافق على رئيس الجمهورية، ودون ذلك، سيبقى الحال على ما هو عليه لمديات بعيدة». ما قالته هذه المصادر يتقاطع مع ما تأكيدات متتالية لجهات تصنّف نفسها سيادية وتغييرية على ان تجاوز اعتبارات الداخل وتوازناته، والرهان على حلول او مبادرات خارجية لن يعجّل في انتخاب رئيس، بل سيؤخره أكثر، ويؤسس لمزيد من التعقيدات».