يقال ان الانتظار من أخطر لصوص الحياة، وفي جميع الحالات يكون الانتظار سيئاً، حيث يشلّ حركتك ويأخذك في دوامة مرهقة من الشعور المرير بالوقت.
هذا التشخيص لمسألة الانتظار تنطبق على واقع الحال في لبنان على المستوى السياسي، حيث ان المسؤولين العاجزين عن ولوج الاستحقاق الرئاسي بشكل طبيعي وسلس ، إسوة بباقي البلدان، يسترون هذا العجز بورقة التوت التي هي الانتظار، فهناك من ينتظر عودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت في زيارته الثالثة علّه يحمل فكرة جديدة من شأنها أن تحدث كوّة في جدار الأزمة يمكن النفاذ منها لانتخاب رئيس للجمهورية، مع العلم ان لودريان عائد لتوجيه دعوة للتشاور، فيما القوى السياسية لديها مواصفات مختلفة لشخص الرئيس وهذا ما ينذر ان مهمة الموفد الفرنسي ستكون أكثر تعقيدا كون ان الجميع كشف عن أوراقه وبات اللعب فوق الطاولة.
كما ان هناك من ينتظر ما ستسفر عنه المشاورات التي تجري بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» علّ وعسى أن يؤدي ذلك في حال حصل التوافق الى تعبيد الطريق أمام شخصية توافقية للجلوس على كرسي الرئاسة. على هذا المستوى ورغم ما يضخ من إيجابيات فانه لم يسجل على أرض الواقع التقدّم المطلوب الذي يمكن في ضوئه القول اننا بتنا قاب قوسين من التوافق على اسم الرئيس، كون ان ما يطالب به النائب جبران باسيل ان لجهة اللامركزية المالية، أو الصندوق الائتماني ليس «حزب الله» وحده قادر على تلبية هذين المطلبين، فاللامركزية موجود مشروعها في مجلس النواب منذ أكثر من ثلاثة عقود وبالتالي هذا يحتاج الى توافق نيابي لإنجازه وهذا التوافق ما زال بعيد المنال، أما الصندوق الائتماني فمفتاحه أيضا ليس في جيب «حزب الله» وهذا أيضا يحتاج الى مساحة واسعة من التوافق النيابي لتحقيقه.
من هنا فان ما يجري هو تعبئة للوقت لا أكثر ولا أقل، بانتظار تبلور المشهدين الاقليمي والدولي لتحديد مسار ومصير الاستحقاق الرئاسي. فهناك من يقول ان مناخات المنطقة تبدّدت في الأسابيع الماضية حيث ان خللاً طرأ على تفاهم الصين بين إيران والمملكة العربية السعودية، كما انه برزت معوقات على طريق الانفتاح السعودي على سوريا، وقد ظهر ذلك من خلال تريّث الرياض في إعادة فتح سفارة المملكة في كل من طهران ودمشق، وهذا يعاكس أجواء التقارب والانفتاح التي سادت في غضون الشهرين المنصرمين، وإضافة الى ذلك كله فان المعلومات تتقاطع على نقطة جوهرية كان يعوّل عليها في حال إتمامها أن يستفيد منها لبنان وهي الملف النووي الذي ما زال في دائرة التوتر التي تشي بأن حسم هذا الملف إيجابا لم يحن بعد.
وفي هذا الإطار فان مصدر وزاري يرى ان الأمور كلها «مكربجة» وانه لا يلحظ في الأفق الداخلي، ولا في المشهد الخارجي ما يؤشر الى إمكانية انتخاب رئيس هذا العام، وانه في حال عاد لودريان الى لبنان في أيلول فان ذلك لا يعني ان عملية الانتخاب ستحصل في الأشهر المتبقية من هذا العام، كون ان الموفد الرئاسي سيرعى طاولة تشاورية فقط لا غير، ولا يحمل في جيبه أي تسوية يمكن عرضها على الأقطاب السياسية في لبنان، وطالما ان القوى السياسية ما تزال تتمترس وراء طروحاتها السابقة فان ذلك يعني أن أمد التشاور والتفاوض سيطول.
وينفي المصدر علمه بوجود توجه للمعارضة للتقاطع مجددا على اسم مرشح جديد هو قائد الجيش، رغم ما يقال عن قوة دفع أميركية – قطرية بهذا الاتجاه، حيث ان هذه المعارضة تبعثرت بعد جلسة الانتخاب الأخير، حيث تبرّأ البعض بسرعة من ترشيح جهاد أزعور، وفي حال حصل إجماع المعارضة على اسم قائد الجيش فان ذلك سيحصل من دون «تكتل لبنان القوي» ويذلك نعود الى الدوامة نفسها بفعل موازين القوى التي تمنع على أي فريق سياسي الاستفراد في انتخاب رئيس، وتفرض في الوقت نفسه ضرورة الشروع في الحوار للتوافق على الرئيس لان التجارب أثبتت انه من دون حوار يؤدي الى توافق من العبث انتظار انتخاب رئيس جديد للبلاد.
وفي رأي المصدر ان الحوار الحاصل بين الحزب و«التيار» ربما يشكّل نقطة التحوّل الوحيدة المؤدية الى انتخاب رئيس، طالما ان الإرادة الداخلية من المستبعد أن تتلاقى مع الإرادة الخارجية لتحقيق هذا الهدف لان هناك تباعدا كبيرا في مسألة مواصفات الرئيس، حيث يطرح الخارج أفكارا وصيغ تراعي مصالحه الخاصة فقط لا غير، وهذا لم يلقَ الصدى المطلوب على المستوى الداخلي.