عندما كانت بلدة الكحالة تشيّع أمس ابنها فادي بجاني الى مثواه الأخير، كان المشهد السياسي ينجلي عن معطيات ستترك تأثيرها على مستقبل الأحداث في لبنان. فما حدث الأربعاء الماضي على كوع البلدة الشهير، ما كان ليتخذ البعد الدراماتيكي الذي اتخذه، لو كانت الدولة وحدها صاحبة الكلمة الأمنية. وهكذا كانت الحال في اليوم نفسه في بلدة عين أبل الجنوبية. فهناك كشفت إحدى الكاميرات جريمة قتل عضو المجلس المركزي في حزب «القوات اللبنانية» الياس الحصروني، بعدما كاد غياب الدولة أن يطمس معالم الجريمة. وبالرغم من هذا الغياب، أكدت ردود الفعل على الجريمتين مطالبة الأجهزة المعنية بكشف ملابساتهما ومحاسبة المرتكبين.
وهكذا شيعت الكحّالة فادي بجاني وسط حضور حاشد، في مأتمٍ شعبي غير رسمي. وترأس راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر الجنازة. وبعد الانجيل، قال عبد الساتر في عظته: «ما حصل بالأمس هو مأساة وطنية يجب ألا تتكرر أبداً ولأي سبب كان». وحذّر من أنّ «الفتنة تترصدنا وشعبنا منهك والحرب شر متفلت لا يمكن لجمها».
كيف قرأت الأوساط السياسية الواسعة الاطلاع لـ»نداء الوطن» هذا الأسبوع الأمني وتداعياته؟
تقول هذه الأوساط إنّ هناك ثلاث خلاصات أساسية انتهى إليها الأسبوع الحالي، وهي:
الخلاصة الأولى، أنّ «حزب الله» خرج من واقعة الكحالة متضرراً مسيحياً ووطنياً. واستعاد الخطاب المتشدد ضد سلاح «الحزب» وهجه في الأيام الأخيرة. وفي الموازاة ظهر انسداد في قدرة «الحزب» على إيصال مرشحه الرئاسي، وقد ووجه أيضاً بمعارضة شعبية على هذا المستوى.
الخلاصة الثانية، أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل حاول الاستفادة من واقعة الكحالة بالاستثمار فيها على خطّين: خط سقوط ورقة قائد الجيش العماد جوزاف عون الرئاسية، وخط سقوط «الحزب» أيضاً في الكحالة، وبالتالي ظنّ باسيل أنه أصاب عصفورين بحجر واحد. وهذا ما دفعه ليقول لـ»حزب الله» إنّ مرشح الضمانة لا يضمن لك بيئة حاضنة، بل أنا أضمن لك هذه البيئة فأعِد حساباتك. بينما في واقع الأمر أنّ من سقط هو جبران باسيل، وكل تفاهمه مع «الحزب» منذ عام 2006. وما تجاهله باسيل هو أنّ الناس انتفضت في 17 تشرين الأول عام 2019 ضد «الحزب» وباسيل معاً. وإذ بقي هذا التفاهم قائماً بينهما رئاسياً، فإنه لم يستطع أن يحتضن «الحزب» في الكحالة لأنّ الانتفاضة الشعبية كانت ضد شريكي «التفاهم» معاً.
الخلاصة الثالثة، ربحت المعارضة على خطين: الربح بمراكمة نقاطها السياسية من خلال مواجهة الحزب برفضها الحوار، ومن خلال رفض مرشح الممانعة أصلاً.
أما بالنسبة الى الأجواء الخارجية المؤثرة في لبنان فهي آخذة في التشدد ضد «الحزب»، قاطعةً عملياً الطريق على المبادرة الفرنسية. كذلك فإن الوضعية الشعبية أعادت تجديد ثقتها بالمعارضة التي باتت تخوض معركتها الرئاسية بحاضنة شعبية وبوحدة موقف سياسي وبدعم خارجي منعاً لوصول مرشح الممانعة.