تعرّض الجيش في الكحالة لنيران سياسية مباشرة من قبل جهات اتهمته بالتخاذل والتقصير في التعامل مع واقعة انقلاب شاحنة «حزب الله»، الأمر الذي فتحَ الباب على اجتهادات عدة في تفسير دلالات هذا الهجوم على المؤسسة العسكرية.
يؤكد المطلعون على موقف الجيش من حادثة الكحالة انه اختار عن سابق تصور وتصميم ان يقف في الوسط الايجابي وان لا يكون منحازاً الى طرف على حساب طرف آخر، حتى لا يكون جزءا من اي فتنة داخلية يريد البعض استدراج البلد اليها.
ad
ويشير هؤلاء الى ان الجيش لا يَستحي بالدور الاحتوائي الذي أدّاه، على رغم من كل الانتقادات والاتهامات العشوائية التي وُجّهت إليه، وهو مقتنع بأنه فعلَ الصواب في الكحالة، كما في غيرها من الأماكن التي وقعت فيها اشكالات كادت ان تتطور الى فتنة كبرى كالقرنة السوداء.
ويوضِح العارفون بما يدور في المؤسسة العسكرية انّ الجيش انطلقَ في طريقة تعاطيه مع إشكال الكحالة من ثوابت تحكم سلوكه العام ولا يستطيع التخلي عنها او التفريط بها، وهي حماية السلم الأهلي في الداخل من دون مُحاباة فريق على حساب فريق آخر، والعداء للاحتلال الاسرائيلي الذي يشكل تهديداً داهماً للبنان، والتنسيق مع المقاومة المعترف بها رسمياً «وهذا التنسيق معروف وليس خافياً على أحد».
ويلفت المواكبون لتحركات الجيش في ليلة قطوع الكحالة الى انه تصرّف بواقعية وحكمة بينما كان هناك من يريد منه ان يطلق النار ويسقط ضحايا أبرياء وحينها يقع المحظور.
ويكشف هؤلاء ان سلوك الجيش في الكحالة كان يرمي الى فَض المشكلة المستجدة بأقل الخسائر الممكنة لحقن الدماء ومنع الانزلاق الى الفتنة، «ولذلك كان يزين تصرفاته بميزان الذهب على قاعدة: لا تصادم مع أهالي الكحالة ولا سماح بمهاجمة الشاحنة التي أصبحت في عهدة الجيش».
ويوضح المطلعون انّ السياسة التي ينتهجها الجيش في كل المناطق بلا استثناء ترمي الى منع الانفلات الامني انطلاقاً من انّ الأمن خط أحمر، والحؤول دون العودة إلى الحرب الأهلية وحكم الميليشيات، مع ما يتطلّبه ذلك من مزج بين اللين والحزم في التعامل مع الوقائع، تبعاً لما يقتضيه الظرف، مُنبّهين الى انه لو اراد الجيش ان يتحرك على إيقاع أجندات البعض وانفعالاتهم لكان قد وقعَ في فخ الاقتتال الداخلي من بيصور الى الكحالة.
ad
ويلاحظ القريبون من المؤسسة العسكرية انّ الذين هاجموها بعد حادثة الكحالة هم أنفسهم الذين كانوا يمدحونها في مناسبات أخرى، «وبالتالي هؤلاء تُديرهم مصالحهم الآنية التي تأخذهم تارة في هذا الاتجاه وطوراً في ذاك».
وقد ذهب البعض الى الاستنتاج بأنّ الحملة العنيفة التي تعرض لها الجيش تنطوي على نوع من «الابتزاز السياسي» لقائده العماد جوزف عون، «وكأنّ المطلوب وَضعه امام معادلة إمّا أن تفعل ما نطلبه وإمّا أن تصبح خارج خياراتنا الرئاسية». لكنّ المُطّلعين على كواليس اليرزة يؤكدون أنه لم يكن هناك أيّ تَحيّز للحسابات الرئاسية في طريقة إدارة عون لملف الكحالة، وان التوجيهات التي أعطيت لقوى الحيش على الأرض كانت بعيدة كلياً من مؤثرات الخطابات الشعبوية».
وتتواصل التحقيقات بإشراف النيابة العامة العسكرية بشخص القاضي فادي عقيقي في إشكال الكحالة، علماً انّ الجيش تحوّل منذ ذلك الحين ضابطة عدلية، مع الاشارة الى انه تم نقل حمولة الشاحنة إلى إحدى الثكن، على أن ينفّذ الجيش ما يقرره القضاء في هذا الشأن.