بعد التجارب التي شهدتها العقود الماضية، فقد اللبنانيون الثقة بالطريقة التي تدار فيها الأموال العامة، ولا سيما الصناديق، وما كان أكثرها. فهذه الصناديق في الذاكرة اللبنانية هي المثال عن مزاريب الهدر والمحاصصة والتنفيعات، والبقرة الحلوب التي تتقاسمها الطوائف والاحزاب في هذا البلد.
ومنذ أيام أُعلن عن صندوق جديد، يعنى بعائدات النفط متى بدأت أعمال الحفر والاستخراج والإنتاج، وحمل المولود الجديد في لجنة المال والموازنة، إسم الصندوق السيادي، والذي سيكون المصفاة الأساس للعائدات النفطية. ولكن لماذا على اللبنانيين أن يثقوا بهذا الصندوق؟ وبماذا يختلف عن سابقيه؟ وماذا يجب ان يعرف اللبنانيون عنه؟
اعتبر رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان أن “إنشاء صندوق سيادي، وفقاً للقواعد والمبادئ الدولية، إنما يهدف للحفاظ على عائدات الثروة البترولية واستثمارها لصالح الأجيال القادمة والمساهمة في تحقيق التنمية الشاملة التي تحفظ الوطن لتكون فيه أجيال قادمة”.
ولكن ماذا عن القواعد والأسس التي تحكم هذا الصندوق؟ وما الذي يضمن شفافيته؟ يقول كنعان في حديث لموقع mtv: “الصندوق السيادي يشكل نموذجاً جديداً وهو الأمل الحقيقي للبنان، وهو مستقل عن أي وصاية سياسية أو محاصصة وأمواله تدار بشفافية للأجيال المقبلة ولتنمية الاقتصاد”، مضيفاً “فالصندوق كما أُقرّ هو مؤسسة عامة ذات طابع خاص لا تخضع للوصاية التقليدية التي كانت تمارس من الحكومات والسلطة التنفيذية”.
وحول إدارة هذا الصندوق، يشير كنعان إلى أنها ستكون من أصحاب الكفاءات والإختصاصات والخبرة في صناعة القرارات ذات الصلة بعمل الصندوق، كما الخبرة المتطورة في القيادة التنفيذية وفي تطوير الرؤية والاستراتيجية المالية والاستثمارية، والخبرة العالمية التشغيلية التي لا تقل عن 10 سنوات في بنية تحتية أو أصول عقارية أو أسهم خاصة ذات رأس مال لا يقل عن مليار دولار”.
ولكن مَن سيختار هؤلاء؟ ومَن يضمن عدم دخول الوساطة السياسية والمحسوبية في التوظيف؟
هنا يؤكد كنعان “حصر تقييم كفاءة المرشحين والمؤهلين لرئاسة وعضوية مجلس الإدارة من قبل مؤسسات توظيف دولية يستعين بها مجلس الخدمة المدنية على ان ترفع حكماً للحكومة لائحة المؤهلين ويختار منها ٨ أعضاء وفقاً للمواصفات المذكورة حصراً في مواد القانون”.
على صعيد آخر، شدد كنعان على الالتزام بقواعد الحوكمة المعتمدة عالمياً لإدارة هذا النوع من الصناديق، ولا سيما مبادئ سنتياغو لصندوق النقد الدولي، وإنشاء محفظتين لإدارة أموال الصندوق، واحدة للإدخار والاستثمار، وواحدة للتنمية تودع فيها العائدات الضريبية من الموارد والأنشطة البترولية. وأما استراتيجية الاستثمار فيضعها مجلس الإدارة وهي الخطة التي تحدد بموجبها آلية استثمار أموال الصندوق.
يبقى السؤال الأهم: ما هي الضمانات لعدم صرف أموال هذا الصندوق لتمويل عجز الدولة أو في مزاريب الفساد المستشري؟
أجاب كنعان أنه “يُحظر استعمال أموال الصندوق في المحفظتين لتسديد ديون الدولة، وهناك فكرة أو اقتراح وهو في حال أظهر قطع حساب الموازنة فائضاً أولياً بين نفقاته ووارداته فيجاز عندئذ استخدام عائدات جزء من محفظة التنمية فقط المخصصة أصلا لتمويل مشاريع منتجة من خلال الموازنة لهذا الغرض. كما لا يجوز السحب من محفظة التنمية خلال سنة معينة إلا في حال إقرار موازنة الدولة وفق الأصول فتلحظ المبالغ المقرر سحبها وإنفاقها، بشرط ألا تتجاوز نسبة الثلث من إجمالي أصول هذه المحفظة”.
وأضاف “كما لا يجوز السحب من محفظة الادخار والاستثمار إلا وفقاً للشروط المحددة في تفويض الاستثمار، وأن لا يقل الاستثمار خارج لبنان عن 75% من أصول هذه المحفظة”.
وعن الجهة التي ستراقب عمل الصندوق، أعلن كنعان إخضاع حسابات الصندوق وأداء إدارته لرقابة ديوان المحاسبة المؤخرة، وإخضاع حسابات الصندوق لتدقيق خارجي من قبل مدقق حسابات مستقل، أو أكثر، معترف به دولياً.
هذا كل ما على اللبنانيين أن يعرفوه عن الصندوق السيادي، ولكن هناك الكثير الذي يجب فعله لاستعادة ثقة الناس بكيفية إدارة مقدرات هذا البلد، وهنا الحكم للأيام المقبلة متى حلّت علينا نعمة النفط فعلاً.