ميقاتي: الاعتكاف غير وارد عندي الآن ولكن “للصبر حدود”

خرج رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أول من أمس من لقائه في ساحة النجمة مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي ليقرع جرس إنذار غير مسبوق عندما أكد المؤكد وقال بصريح العبارة: “إن المرحلة صعبة جداً وإن لم نصل الى (اجتراح) حلول فليتحمّل كل واحد مسؤوليته”.

بطبيعة الحال ليست المرة الأولى التي يفصح فيها الرئيس ميقاتي عن حجم التذمّر ومدى الاستياء الذي يختزنه من مآلات الأوضاع من جهة ويعرب عن شكواه من عدم تعاون “الشركاء” المفترضين معه والمسارعة الى دعمه، ومن ثم تركه شبه وحيد في وجه العواصف والتقلبات السياسية. ويبدي في الوقت عينه احتجاجه الصريح على حال الفوضى واللااتزان التي تحول دون إدارة المهمات المسندة إليه، لكنه شاء هذه المرة أن يعلي الصوت الى أعلى طبقاته ومراتبه والى درجة التحذير الجلي من إمكان أن يخطو لاحقاً خطوة سلبية تكون الفيصل والفاصلة، إذا ما بقي تحلل الأفرقاء من مسؤولياتهم كشركاء في الإدارة والحكم على نحو لا يقلّ عن درجة شراكة الرئيس ميقاتي نفسه.

وحيال ذلك بادر كثر الى تعميم استنتاج فحواه أن ميقاتي الذي يقبض على جمر الحكم وعلى كرة نار مجنحة من المسؤوليات الجسام منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام يوشك مخزون صبره أن ينضب وينفد، فيكون ساعتها مضطراً لأن يجنح نحو الاعتكاف لعلها تكون صدمة تعيد عقل الرحمن الى الرؤوس الحامية وأصحاب الأحلام الجامحة. لذا فإن السؤال: هل يفعلها ميقاتي ويتخفّف لمرة واحدة وأخيرة وليكن ما يكون؟

ثمة معلومات راجت أخيراً فحواها أن ميقاتي ما أطلق ما أطلقه من مواقف تصعيدية وتهديدية إلا عندما خرج من لقائه مع الرئيس بري الذي قال زواره إنهم وجدوه قبيل وقت قصير على درجة من الإحباط والتشاؤم بعدما كانوا يبحثون عنده دوماً عن بصيص أمل كلما تعقدت الأوضاع.

ووفق هؤلاء فإن مبعث هذا الأمر الفاقد للتفاؤل عند بري كان إثر تلقيه المعلومات عن وصول رسالة الموفد الفرنسي الخاص الى بيروت جان – إيف لودريان الى النواب الـ37 وما انطوت عليه فاعتبر بري أنها ليست علامة إيجابية إطلاقاً ولا هي تجسّد الآمال التي كانت معقودة على الحراك الفرنسي قبل لقاء الدوحة الخماسي وبعده.

وبمعنى آخر، لا يستبعد هؤلاء أن يكون ميقاتي أصابه شيء من الإحباط أيضاً عندما لم يجد عند سنده الدائم جرعة التفاؤل والأمل والتي تشد من أزره وتشجعه على المضيّ قدماً في مهمته. لذا ربما بعد هذا اللقاء ارتفع منسوب الشعور بالغربة عند ميقاتي لأنه وجد نفسه شبه وحيد في الميدان.

وعلى الرغم من واقع الحال التشاؤمي السائد هذا، نفى الرئيس ميقاتي في اتصال لـ”النهار” معه أمس أن يكون أخذ قراراً بالاعتكاف كما ورد في بعض الإعلام ولكنه قال “دوماً للصبر حدود والله لا يحمّل نفساً إلا وُسعها”.

يقول ميقاتي: “إن مسألة الاعتكاف لا ترد لحد الآن على الأقل في قاموسي، ولكن إذا ما ظلت الأمور تنسج على منوال التعطيل وعدم التجاوب والتعاون فساعتها تصير كل الاحتمالات واردة عندي”.

أضاف ميقاتي “ليست المرة الأولى التي يواجهنا مثل هذا الكم من العراقيل والعوائق ومثل هذه المناخات التعطيلية، فنحن على دراية بما ينتظرنا منذ اليوم الأول لحكومتنا، ولكننا بتنا نستشعر في الآونة الأخيرة أن ثمة من وضع في حساباته الضمنية أن يقطع الطريق علينا وأن يعرقل حتى عملية تصريف الأعمال التي نقوم بها، وأنه ماضٍ في هذا النهج على رغم كل تحذيراتنا”.

رداً على سؤال قال الرئيس ميقاتي: “هناك مثل معروف يردّده من يجد نفسه موضوعاً أمام الخيارات المستحيلة والأبواب الموصدة والقائل: مقسوم محرم عليك أن تأكله وصحيح ممنوع عليك أن تقسمه، فكل واشبع. وهذا المثل نرى أنه ينطبق على واقع علاقتنا ببعض المكوّنات السياسية. فهم”، يستطرد ميقاتي، “لا يبادرون الى السير بالخطوات اللازمة لإجراء انتخابات رئاسية من شأنها أن تطوي صفحة الشغور القاتل، وهم أيضاً يحولون بعناد دون إقرار القوانين الإصلاحية المفضية الى السير بخطة التعافي، على رغم أنها (القوانين) أشبعت درساً وصارت جاهزة للإقرار فكيف لنا والحال هذا أن نصرّف الأعمال وندير الأمور بالحد الأدنى”.

يستطرد ميقاتي: “وفوق كل هذا يخيّم علينا شبح خطر داهم بدأ يفرض نفسه أخيراً. ففي ظل العجز المتعمّد والعرقلة المقصودة لإقرار قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، الذي سبق أن وضع وأشبع نقاشاً، صارت المصارف اللبنانية في وضع القاصر عن العمل والعاجز عن التفاعل مع الأسواق المالية العالمية.

وفي ظل استمرار وضع كهذا، عندها ووفق ما يعرفه كل الخبراء الماليين والاقتصاديين، سيسهل عالمياً محاصرة قطاعنا المصرفي بتهم شتى مؤذية بل مدمّرة مثل شبهة تببيض الأموال وتغطية عمليات الفساد. وهذا إن حصل لا سمح الله من شأنه أن يزيد من وضع لبنان النقد يوالمالي والاقتصادي سوءاً فوق ما يقاسيه منذ أعوام ثلاثة خلت”.

يخلص ميقاتي: “عندما أطلقت بالأمس تلك المواقف والتحذيرات وقرعت بأقصى قوتي جرس الإنذار ما كنت أتوسّل ذلك بحثاً عن شعبوية أو مسارب للتخفّف من موجبات المسؤولية التي يعلم الجميع حجم ما نعانيه من جراء استمرار تنكّبها، ولكن فعلت ما فعلت وقلت ما قلت من قلب موجوع بل ومحروق على ما آلت إليه الأمور في ظل لعبة التعطيل التي استمرأها البعض ووجد فيها ضالّته المنشودة لمنازلة الخصوم وتسجيل النقاط عليهم”.

ومرة أخرى يخلص ميقاتي “أرفض أن تكون حكومتنا كيس ملاكمة للبعض أو صندوقة بريد يرسل البعض الآخر عبرها الرسائل الى من يعنيهم الأمر. وهذا فحوى ما قلته وشدّدت عليه أمس أمام الوزراء الذين شاركوا في الجلسة الأخيرة للحكومة”.

اترك تعليق