سواء نجح الموفد الفرنسي جان ايف لودريان في استقطاب إجابات الكتل النيابية والمستقلين، على «الاستمارة» التي وزّعتها سفارة بلاده، مع العلم أنّه سبق وثّق بالصوت والصورة موقف كلّ كتلة وكل نائب مستقلة وقد حفظ هذه الإجابات عن ظهر قلب… أو لم ينجح. النتيجة سيّان: الاستحقاق الرئاسي مؤجل إلى مواعيد غير محددة. ثمة من يتحدث عن شتاء جديد قد يمرّ ومن بعده ربيع وصيف…
لا تقديرات في السياسة واضحة، يمكنها التكهّن بفترة الشغور الرئاسي، ولا معطيات جدية قد تسمح بضرب موعد دخول الرئيس العتيد قصر بعبدا. فالاصطفاف الداخلي معطوف على التباعد الاقليمي (في الملف اللبناني)، يرفع من فرص بقاء سدّة الرئاسة الاولى في حالة شغور طويل. ولا يبدو أنّ التواصل السعودي- الإيراني المستجد بعد زيارة وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان إلى الرياض قد غيّرت من المسار اللبناني أو ترك تأثيره على مجريات الوضع الداخلي.
هكذا، يُترك الانهيار الاقتصادي- النقدي لقدره، ولقضاء حكومة مستقيلة بالكاد تعمل على تصريف الأعمال وسط تحذير رئيسها من مغبة ما ينتظرنا، وتخبط الكثير من وزرائها، واستفادة بعضهم من حال الفوضى لتشريع «هدرهم» لما تبقى من المال العام، أو بالأحرى من مال المودعين…
في الواقع، لا جدل حول حقيقة هول ما ينتظر اللبنانيين فيما لو استمر الاستهتار القصدي الذي تمارسه القوى السياسية، كلّ لاعتباراته. فتمعن في نكء الخلافات لتبرر حال المراوحة فيما خص الاستحقاق الرئاسي… ولا جديد في تهويل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وتهديده في اللجوء إلى الاعتكاف، إلا أنّه ربطها هذه المرّة بخطورة المساكنة مع اقتصاد الكاش.
قول الأخير إنّ «الاقتصاد النقدي «الكاش» يشكل خطراً كبيراً»، بعد حوالي أربع سنوات على الأزمة، وما يقارب السنتين على وجوده في السراي، بدا أشبه برسالة تحذير لم تأت من عندياته، وإلا لكان أطلقها منذ أشهر، لا سيما وأنّ القوى السياسية تعرف جيداً حقيقة ما تقتقرفه أيديها في ترك التايتنيك تغرق على مرأى من المجتمع الدولي واللبنانيين، تاركين لـ»شريعة الغاب المالية» تتحكم برقبة الاقتصاد الوطني ومصيره. ويقول أحد المطلعين، إنّ الاقتصاد اللبناني، أو ما تبقة منه بات ملاذاً آمناً للمافيات العالمية تسرح وتمرح في بحر من الكاش. وهو واقع يدركه الجميع، في الداخل والخارج.
ولكن تمادي هذا الواقع الخطير، هو الذي سعى ميقاتي إلى التصويب عليه، كما يقول المعنيون ليشيروا إلى أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال سمع تحذيرات رسمية من مسؤولين غربيين من مغبة الاستمرار في هذه السياسة لكونها ستتسبب بتداعيات على مستوى وضعية البلد ومؤسساته الدستورية والنقدية، دولياً، من خلال عقوبات تطال النظام النقدي برمّته، بعدما صار مرتعاً لرساميل مشبوهة وجرائم مالية كما وصفها ميقاتي.
ويتردد أنّ الأخير قال أمام بعض من التقاهم خلال الأيام الأخيرة إنّه حمل رسالة التحذير هذه إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري وأبلغه بما تضمنتها من إجراءات عقابية قد تطال لبنان اذا ما استمرت حالة الفوضى على حالها، والتي لا يمكن تطويقها إلا من خلال انجاز الاستحقاق الرئاسي والانطلاق في العملية الإصلاحية.
ad
وتفيد المعلومات أنّ ميقاتي أبلغ صراحة رئيس مجلس النواب أنّه في حال لم يُصر إلى انتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية شهر أيلول المقبل، ربطاً بالمحاولة الفرنسية المتسجدة لانجاز الاستحقاق، فهو سيكون OUT. ماذا تعني الـOUT؟ لم يفهم المستمعون إلى ميقاتي، الذي عاد وردد تلك العبارة أمام ضيوفه، ما المقصود بها، واذا ما كانت تعني الاعتكاف أو الاستقالة من مهمة تصريف الأعمال… أو السفر!
المهم أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال غير مرتاح للوضع الداخلي لكونه بات تحت مجهر دولي يفنّد خباياه، وما يمكن للرياح الخارجية أن تحملها من إجراءات جديدة تضع حداً لحالة الفلتان النقدي الحاصلة، ويخشى من انفلات الوضع أكثر وتدهوه بشكل يحول دون تطويقه.
ولكن هذه المخاوف، على أهميتها، لن تدفع بالضروة القوى السياسية إلى النزول عن «شجرة عنادها» للتفاهم على الاستحقاق الرئاسي أو تسهيل مهمة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان في فرصته الأخيرة، لا بل يبدو أنّ مهمته الحوارية وأدت في مهدها، وسيعود إلى بلاده خالي الوفاض، لتنكب القوى السياسية وتحديداً تلك الموجودة في الحكم على البحث عن «طرابيش» جديدة تعمل على تركيبها لتقطيع الوقت بعدما أحيل «الساحر الأكبر» أي رياض سلامة إلى التقاعد وسط سيل من الاتهامات تلاحقة أينما حلّ ضيفاً.
ad
وفق بعض المواكبين، فإنّ هذه المنظومة نجحت في شراء الوقت طوال مرحلة الانهيار المالي والنقدي، من خلال خزعبلات ابتكرها سلامة لكي يسعف الفريق الحاكم في معركة بقائه. لكن الرجل بات بحاجة إلى خزعبلات قانونية تقيه شرّ السجن، فكيف ستتمكن المنظومة من الصمود والبقاء طالما أن الحاكم بالإنابة وسيم منصوري تعلم من دورس الأصل، وقرر التزام مندرجات القانون وشروطه؟ ووفق هذه النظرية، الرهان على الوقت بات قاتلاَ ومدمراً…