منذ ثلاثة أسابيع تقريباً، ألقت مخابرات الجيش اللبناني القبض على مجموعة مكوّنة من 3 عناصر من الجماعة الإسلامية أثناء محاولتهم نقل منصّة صواريخ في بلدة الهبّارية الجنوبية المحاذية للحدود، وذلك بهدف إطلاق صواريخ نحو الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
الأشخاص الثلاثة، وهم عبد الله سياج، حسين عطوي، وآخر من آل فرحات، يتبعون للجهاز الأمنيّ في الجماعة. في البداية جرى نقلهم إلى فرع استخبارات الجيش في صيدا، وبعدها إلى وزارة الدفاع في اليرزة، حيث ما يزالون قيد التوقيف، ويخضعون للتحقيق.
اللافت أنّ اثنين من العناصر الثلاثة الذين سبق ذكرهم ليسوا من بلدة الهبّارية الحدودية، بل ليسوا من محافظة الجنوب، إنّما من البقاع الغربي. فلماذا لم تتمّ الاستعانة بأشخاص من البلدة نفسها، ولا سيّما أنّ للجماعة الإسلامية حضوراً وازناً في المناطق والقرى الجنوبية السنّية، ومنها الهبّارية.
تطوّر هذا الحضور أكثر بعد انسحاب تيّار المستقبل من العملية السياسية. وما حصل أحدث صدمة لدى قيادات الجماعة الإسلامية في الجنوب، التي لم تكن على بيّنة من العمليّة برمّتها.
عندما أجرى مسؤول الجماعة في صيدا ونائب رئيس المكتب السياسي بسام حمود اتّصالاً بالأمين العامّ محمد طقّوش، من أجل إخباره ووضعه بصورة ما حصل، استشفّ حمود من خلال مجرى الحديث أنّ طقّوش “كان يعلم”.
دكّانة داخل الجماعة!
بحسب مصدر مطّلع ل”أساس” ميديا رفض الكشف عن اسمه لاعتبارات أمنيّة، دعا طقّوش إلى اجتماع في اليوم التالي على مستوى القيادة في مدينة صيدا. حضر الاجتماع المسؤول العسكري في الجماعة محمود بديع “أبو خالد”، وبسام حمود، ومسؤول العلاقات الأمنيّة عبد الرحمن إسكندراني، ومسؤول الأمن مقداد قلاوون، ونائبه بلال عثمان، والشيخ مصطفى الحريري مسؤول الجماعة في محافظة الجنوب.
خلال الاجتماع، انتابت أبا خالد بديع ثورة غضب لأنّه لم يكن يعلم شيئاً عن الموضوع، ووجّه الاتّهام إلى الجهاز الأمنيّ انطلاقاً من كون المعتقلين الثلاثة ينتمون وفق الجداول التنظيمية إلى الجهاز الأمنيّ، وأنّ العمل الجهادي منوط بـ”قوات الفجر” (الجناح المسلّح للجماعة)، وأنّه هو حصراً من يعتبر المسؤول عن العمليات الميدانية ضدّ إسرائيل، ولأنّ لبنان ليس في ظرف حرب حالياً للذهاب نحو توتير وتصعيد، وربط ما جرى بالتطوّرات الحاصلة بالضفّة والحديث عن توحيد الجبهات المشترك بين الحزب وحماس.
بحسب المعلومات، اتّهم بديع بشكل مباشر القيادة الأمنيّة في الجماعة بأنّها “أصبحت دكّانة” خدمة لأهداف خاصّة، وتنفيذاً لأوامر من خارج التنظيم، غامزاً من قناة حماس والحزب، والكلام للمصدر نفسه. ليس الأمر قاصراً على أبي خالد بديع فقط، بل ثمّة قناعة داخل أروقة الجماعة بأنّ الجهاز الأمنيّ ينفّذ أوامر جهات من خارج الجماعة، وبالتحديد حركة حماس التي تدفع رواتب شهرية للعديد من عناصر الأمن، وهذا السياق تُرجم عبر اجتماعات الجهاز الأمنيّ مع مسؤولين في النظام السوري والتنسيق الذي جرى أخيراً مع سرايا المقاومة.
تشير المعلومات إلى أنّ الجهاز الأمنيّ الذي بات يعتبر نفسه “الجهة الحاكمة” في الجماعة، يواجه تململاً داخليّاً كبيراً على خلفيّة الضغط الذي حدث قبل أسابيع للتمديد لمدّة سنة إضافية للقيادة الحالية التي ستدير الجماعة أربع سنوات بدلاً من ثلاث، علاوة على تغيير النظام الانتخابي الداخلي لأعضاء مجلس الشورى، الذي جرى تفصيله بالمقاس لضمان انتصار الجناح عينه في أيّ استحقاق داخلي في المستقبل، الأمر الذي أطلق موجة استقالات داخل التنظيم بسبب الواقع الحالي.
العزف على وتر المظلوميّة السنّيّة
مذّاك وإلى اليوم، عكف مسؤولو الجماعة الإسلامية على التواصل مع القيادات السياسية والوزراء السُّنّة في حكومة تصريف الأعمال، وحاولوا العزف على الوتر المذهبي، إذ كانوا يشدّدون على أنّ “عناصر ومحازبي الحزب عندما يرتكبون جرماً فإنّ الحزب يسارع إلى حمايتهم، وأنتم يجب أن تقفوا إلى جانبنا”.
بيد أن لا أحد من الوزراء السُّنّة استجاب لكلّ تلك المحاولات. وتشير المعلومات إلى أنّ واحداً ممّن جرى التواصل معهم من القيادات السنّيّة قال لنائب الأمين العامّ للجماعة الإسلامية عمر حيمور: “فليدافع الحزب ومحور الممانعة عنكم، ولتخرجكم حماس من السجن”.
تواصل قيادات الجماعة جولاتها السياسية، التي شملت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي حاولوا الضغط عليه عبر الوتر السنّيّ انطلاقاً من كونه يمثّل أرفع مقام سنّيّ في لبنان. لكنّ الأخير طلب ممّن تواصلوا معه أن تكون الجماعة الإسلامية أكثر تعقّلاً ووعياً، ولا سيما في مثل هذه الظروف الحسّاسة والدقيقة، باعتبار المناطق السنّيّة في الجنوب وأهلها لا يمكنهم تحمّل تجارب كهذه. وأكّد ميقاتي لمخاطبيه أنّ محاولة عناصر من الجماعة الإسلامية إطلاق صواريخ على الأراضي الفلسطينية المحتلّة هي خدمة لأطراف خارجية.
مع ذلك، تواصلت بعض القيادات السياسية السنّيّة مع استخبارات الجيش في محاولة لحلّ القضية، إلا أنّ الأجهزة المعنية ونتيجة الظرف المعقّد في البلاد ترفض حلّها إلا “عبر القضاء واستكمال الإجراءات القانونية، ولا يمكن الجيش التساهل إزاء ما حصل، خاصة بعد حادثة الكحّالة وذيولها المستمرّة، ولا سيما أنّ هناك دوراً لأطراف خارجية، وبالتحديد حركة حماس”، وذلك حسب مصدر أمنيّ.
الحزب والمحكمة العسكريّة ووحدة الساحات
لم يقف الأمر عند القيادات السياسية السنّيّة، بل زار وفد من الجماعة الإسلامية رئيس مجلس النواب نبيه برّي. وكانت الجماعة على تواصل دائم مع الحزب الذي لم يقُم بأيّ خطوة لإخراج الأمنيّين الثلاثة في الجماعة الإسلامية من وزارة الدفاع. كلّ ما فعله الحزب هو أنّه قدّم ضمانات للجماعة بعدم تداول القضية في وسائل الإعلام. ووعد أيضاً بالعمل على الإفراج عن الشبّان الثلاثة حينما يتمّ تحويل الملفّ برمّته إلى المحكمة العسكرية التي يعتبرها ملعبه الخاصّ ويمتلك القدرة على تبرئة من يشاء، وإبقاء من يشاء يتعفّن في السجن من دون محاكمة، ما خلا بعض الاستثناءات النادرة.
إلى ذلك، تشير مصادر مقرّبة من الجماعة الإسلامية إلى وجود تملل واضح داخل الجماعة من القضية أوّلاً، ومن تصلّب قيادة الجيش ورفضها الإفراج عن المعتقلين الثلاثة. وثمّة عدد من المنظّمين الذين نشروا عبر وسائل التواصل الاجتماعي منشورات غمزوا فيها من قناة الجيش وقائده والمظلومية السنّيّة، مؤكّدين أنّ المقاومة ليست حكراً على فريق دون آخر. علاوة على ذلك نُظّمت وقفات احتجاجية في البقاع الغربي بهدف الضغط على استخبارات الجيش، في محاولة لخلق رأي عامّ مؤيّد لفكرة أنّ السُّنّة وحدهم من يتمّ سجنهم. وهذه الفكرة تحظى بقبول واسع عند السُّنّة انطلاقاً من العديد من السوابق التي حصلت. وتأتي الوقفات الاحتجاجية هذه بعد أيام قليلة على الاشتباك الذي حصل بين استخبارات الجيش وجهة من عشائر العرب في البقاع أيضاً، والذي لم تنتهِ ذيوله بعد.
يتزامن هذا التطوّر مع إعلان الحزب إعادة هيكلة “سرايا المقاومة”، وإنشاء تنظيم “شباب وحدة الساحات”، الذي يهدف إلى استقطاب قوى ومجموعات جديدة، وربط الجبهات الحليفة في لبنان وسوريا والعراق.