في ظلّ المراوحة السياسية القاتلة على صعيد الملف الرئاسي، أتت المبادرة الحوارية التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري لشقّ طريقها إلى الكتل النيابية، إلّا أنها لم تلقَ بعد كل ردود القوى السياسية وإن كان موقف بعضها فُهم من عنوانه، في ظل رفض طيف من الفرقاء لأي حوار على خط الاستحقاق الرئاسي والتمسك فقط بالدعوة لجلسة انتخاب مفتوحة للرئيس.
مصادر سياسية مطلعة رأت في دعوة برّي للحوار مدّة سبعة أيام وبعدها الدخول إلى جلسات مفتوحة حتى انتخاب الرئيس أفضل الممكن، معتبرةً أنّها “ضربة معلّم” بكل ما للكلمة من معنى، خاصة تجاه فريق المعارضة الذي يطالب بالجلسات المفتوحة، إذ إنَّ رئيس المجلس تلافياً للدعوة إلى جلسات مفتوحة لانتخاب الرئيس وتعطيل النصاب في الجلسة الثانية، دعا النواب إلى الحوار بمهلة محددة، وهو يراها كافية لإنجاز تسوية ما قد تساعد على انجاز الاستحقاق على طريقة لا غالب ولا مغلوب، ما يعني تخلّي فريقه عن التمسّك بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وبالتالي هذا عنصر إيجابي ومهمّ.
ولفتت المصادر في حديث لـ”الأنباء” الإلكترونية إلى أنَّ “على القوى المسيحية عدم التأخّر في إعلان الموافقة على الحوار وعلى مبادرة برّي بالتحديد، وإلاّ اتُهموا من باقي القوى السياسية بمعارضتهم حلّ الأزمة وانتخاب رئيس جمهورية الذين يطالبون به، خاصةً وأنّهم يتهّمون حزب الله وفريقه السياسي بعرقلة انتخاب الرئيس”.
أمّا في المواقف، أشار النائب غسان سكاف إلى أنَّ الحوار مطلوب دائماً في المسائل الحساسة والجوهرية كانتخاب رئيس للجمهورية، ولكن قبل كلّ شيء يجب معرفة مقومات هذا الحوار ومن سيدعي له، وبالتالي معرفة نوع الحوار، فهل هي طاولة حوار أم حوارات ثنائية أو مكوكية، إذ إنَّ الأمر برمته يتوقف على تفاصيل الدعوة وطريقة إدارة الحوار.
وإذ أبدى سكاف في حديث لـ”الأنباء الإلكترونية” استعداده للمشاركة في أي حوار وفي أي مكان، شدّد على أنَّ الأهم بالنسبة له الوصول إلى نتيجة، معتبراً أنه كان ينبغي أن يتمّ الحوار قبل الشغور الرئاسي، طارحاً السؤال: هل سيكون الحوار برعاية الموفد الفرنسي جان إيف لودريان أم برعاية برّي، فالأمور برأيه ما زالت غير واضحة، لافتاً إلى أن لا حماس للحوار من قبل الكتل المسيحية الثلاث، وقد يبدلون رأيهم إذا ما لمسوا جديّة به، مقللاً من جدية الحوار إذا ما بقيت المواقف على حالها.
من جهته اعتبر عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ميشال موسى أنَّ “دعوة برّي للحوار والجلسات المفتوحة تعطي أملاً بإنتاج رئيس جمهورية، وهذا يتطلب توفر أمر جدي وتشاور فيما بيننا ننطلق منه لإنتخاب رئيس”، متوقعاً أن تكون اللقاءات قصيرة ومنتجة.
ورأى موسى في حديث لـ”الأنباء” الإلكترونية أنَّ موقف الكتل يتوقّف على قبولهم بهذا الطرح، مشدداً على أنَّه يجب أولاً أن نرى ردود الفعل، إذ إنَّ الدعوة منطقية وعلى الكتل أن تبدي رأيها بصراحة، وبعدها يبنى على الشيء مقتضاه، سائلاً ما البديل عن الحوار، وما إذا كان لدى البعض أية أفكار جديدة يجب أن تناقش، معتبراً أنَّ “الأهم أن نتحرك ولا تبقى الأمور مجمّدة، فالمبادرة الفرنسية لا تستطيع أن تساهم بمكان ما بتسريع انتخاب رئيس جمهورية، لذا من الضروري تحريك عجلة الاستحقاق الرئاسي والولوج إلى انتخاب رئيس في المدى القصير”.
وفي سياق آخر، اعتبر موسى أنَّ “التقاطع الموجود في المنطقة بدءاً بالتفاهم الإيراني السعودي وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، كما الأمور العسكرية التي تحصل في المنطقة، بالإضافة إلى التنقيب عن النفط، كلّها أمور مرتبطة ببعضها”، متوقّعاً أن يكون لها إنعكاسات إيجابية قد تسهل عملية انتخاب الرئيس وأن تصب بهذا الاتجاه.
وعليه، فإنَّ المؤشرات بأكملها إيجابية ودعوة برّي للحوار والذي كان الرئيس وليد جنبلاط من أول مَن طرحها مشجّعاً الكتل على تسوية تنقذ البلد، يجب أن تحظى باهتمام الكتل السياسية كافة في الفترة المقبلة، للوصول إلى رئيس توافقيّ ينعش المؤسسات والاقتصاد ويعيد لبنان على السكة الصحيحة قبل الانهيار الكبير.