خطفت الزيارة التي يقوم بها حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري الى السعودية الاضواء، لجهة التوقيت والنتائج التي قد تخرج بها. لكنّ المراهنة على نتائج مالية فورية، مبالغة أقرب الى التمنيات منها الى الوقائع، لأنّ ما سيقوله المسؤولون السعوديون لا يختلف عمّا قالوه في السابق، وقد يرددونه في المستقبل.
منذ فترة طويلة، انضمّت المملكة العربية السعودية الى المجتمع الدولي، لجهة توحيد الشروط التي تسمح بتقديم الدعم والقروض الى الدولة اللبنانية. وبصرف النظر عن المآخذ السياسية التي قد تكون لدى الرياض، حيال المواقف اللبنانية الرسمية، إلا انّ المملكة انضَمّت الى بقية الدول الراغبة في مساعدة لبنان، ووحدت معايير المساعدات منذ مؤتمر «سيدر» وما تلاه من محاولات لدفع السلطات اللبنانية الى تبنّي برنامج اصلاحات، كان يمكن ان يجنّب البلاد، لو تم تنفيذه في حينه، ازمة الانهيار التي اندلعت في اواخر العام 2019.
هذا البرنامج الاصلاحي لا يزال هو نفسه تقريبا. وقد أضيفت اليه اجراءات تسمح بالوصول الى مرحلة تنفيذ البرنامج الاصلاحي. هذه الاجراءات الاضافية فرضتها ازمة الانهيار منذ 2019. وللمفارقة، ما طالبَ به منصوري ونواب الحاكم منذ ما قبل انتهاء ولاية رياض سلامة، والذي أطلق عليه البعض خطة اصلاحية، هو في الواقع، وفي معظم بنوده، مجرد اجراءات تمهيدية، وممرات إلزامية للوصول الى الاصلاح. وهذا ما ينطبق مثلاً على قانون الكابيتال كونترول، او اعادة هيكلة القطاع المالي…
ولأنّ السعودية، لن تكون جاهزة لضخ الاموال في البلد، قبل البدء في مسيرة الاصلاحات، فإنّ ما يحمله معه منصوري الى الرياض، على هامش مشاركته في مؤتمر اتحاد المصارف العربية، لا يرتقي الى مستوى الاصلاحات، لكنه يمتلك في جعبته نقاط القوة التالية:
اولاً – نهج جديد في مصرف لبنان يمنع الدولة اللبنانية من مواصلة الاقتراض من اموال المودعين (الاحتياطي الالزامي).
ثانياً – ضغوطات يمارسها المركزي على السلطة لدفعها الى تنفيذ اجراءات تسمح لاحقاً بالعبور الى البرنامج الاصلاحي الشامل، وانجاز الاتفاق المعلّق مع صندوق النقد الدولي منذ اكثر من 16 شهرا، عندما تمّ توقيع الاتفاق الاولي مع الحكومة اللبنانية على مستوى الموظفين.
ثالثاً – ضوء اخضر اميركي لمنصوري حصل عليه قبل استلام مهامه خلفاً لسلامة.
رابعاً – استقلالية نسبية في ممارسة مهامه، رغم ان البعض كان يخشى ان يتصرف بإيحاء من قربه من رئيس المجلس نبيه بري. لكن ما حصل حتى اليوم، ان منصوري استطاع ان يأخذ قراراته بشكل تقني، وبصرف النظر عن الظروف والمعطيات السياسية. وتتجلى هذه الاستقلالية، من خلال تأكيد منصوري انه لن يُقرض الدولة، حتى لو صدر قانون عن مجلس النواب، يشرّع هذا الاقتراض. هذه الاستقلالية يعود الفضل فيها الى منصوري طبعاً، والى الرئيس بري في الاساس الذي قرر عدم التدخل، لا من قريب او بعيد بقراراته، ويقول لزواره ان الوقت للعمل الان، وكل ما يتمناه هو ان ينجح منصوري، لأنه يعرف ان كمية العمل المطلوبة منه هائلة، ومسؤوليته اكثر من حسّاسة.
كل نقاط القوة هذه ستكون مُجدية في النتائج التي ستخرج بها زيارة السعودية، لكنها ليست كافية للحصول على اموال فريش في هذه المرحلة. كذلك لن يكون سهلاً تأمين وديعة في البنك المركزي. صحيح ان الكلام الذي نقله وزير الخارجية الايراني عن السعوديين حيال لبنان مشجّع، وله دلالته العميقة بالنسبة الى الموقف السعودي الايراني حيال الملف اللبناني، لكنه لا يعني ان الوضع انقلب رأسا على عقب. وبالتالي، «الغلّة» التي ستنتهي اليها زيارة منصوري، يمكن حصرها بالامور التالية:
اولاً – فتح صفحة من العلاقات الجيدة مع المسؤولين السعوديين، وبدء علاقة رسمية مع الجانب السعودي.
ثانياً – وعد سعودي بالدعم، فور إنجاز خطوات عملية في عملية الاصلاح. وهنا، تشير المعطيات الى ان المملكة قد تربط خطوة الدعم الاولى الممكنة، بالشروط نفسها التي يضعها منصوري على السلطة اللبنانية. أي عندما تنجز الخطوات الثلاث المطلوبة، (كابيتال كونترول، انتظام مالي واعادة هيكلة القطاع المالي)، عندها، قد تُقدِم المملكة على خطوة في اتجاه تقديم الدعم من خلال وديعة تضعها في المركزي. وهذا الامر سبق وطلبه منصوري من الرياض عبر القنوات الدبلوماسية، لكنه لم يتلق جواباً بعد. ويأمل البعض، ان تكون الدعوة الى الزيارة هي المؤشر على قرار سعودي بالافراج عن وديعة ما، تلبية لتمنيات منصوري.
في كل الاحوال، ما هو لافت ان كل المؤشرات، بما فيها طريقة تعاطي الدول والاطراف مع الوضع القائم، توحي بأنّ الوضع الموقّت، (تَولّي منصوري حاكمية مصرف لبنان بالانابة) قد يطول، تماهياً مع القناعة السائدة بأن الاستحقاق الرئاسي مؤجّل لفترة طويلة تتجاوز مسألة الاسابيع والاشهر.