مرحبا! سأكلّمكَ بدون لفٍّ ودوران. حاوِرْني لأنّكَ مضطرٌّ إلى الحوار. العالم كلّه مغلقٌ في وجهكَ. حلفاؤكَ يزِنون الأمور بالقيراط، ولا يفشخون فشخةً إلى الأمام، إلّا لسبب. عمليًّا، أنتَ ضعيف، محشور، ووحيد. الدنيا مع الواقف. وأنتَ متهيّبٌ الوضع. ثمّ أنا كثيرٌ في الداخل، وعلاقاتي مع الأمم محكومة بالتوازنات والمصالح. الخارج بزنس مان، سمسار، وعبّاد مال. ثمّ إنّي قويّ، ومسلّح. أستطيع في كلّ لحظة أنْ أهدّد بحرب، أنْ أشنّ حربًا، وأنْ أنام على ورقتي طويلًا. نَفَسي طويلٌ طويل. أنتَ نَفَسُكَ قصير…
مرحبا يا ريّس، يا أستاذ، يا حاكمًا بأمركَ، يا حاملًا سلاحًا. سأسمّيكَ الأسماءَ كلّها، وما تشتهي. لا أرفض حوارًا معكَ، فأنتَ شريكي ومواطني، ولا أريد أنْ أصل معكَ إلى المهوار، إلى طرف الهاوية، إلى الفراق. لكنّي إذا حاورتُكَ، بشروطكَ، فكأنّي أُقنِع نفسي بقبول اغتصابكَ لي. أنتَ مستقوٍ. ألم تتّعظ من أنّ أوقات الشدّة تزيدني رسوخًا وصلابةً، فلا يدجّنني جوعٌ، ولا حصارٌ، ولا تُرهبني حدودٌ (سوريّةٌ) مفتوحةٌ على التهريب والنزوح والإرهاب والاحتلال، ولا حدودٌ (صهيونيّةٌ) بحروبٍ عبثيّة، ولا يخوّفني عددٌ، ولا سلاحٌ، ولا يثبّط عزيمتي وضعٌ غير مؤاتٍ، إقليميٌّ ودوليّ. لا تتوهّمنّ أنّ بحبوحتكَ من غسل الأموال والكبتاغون، ومراهنتكَ على الغاز في البحر، والـ”توتال”، وماكرون، وإيران، وغزلكَ اللدود مع العدوّ، حول الخطّ 23 وسواه، تحت الطاولة، فوقها، ستجرّني بالقوّة العارية (أو بالفازلين) إلى طاولةٍ للحوار. “ما تحلم”. قد أكون وحدي، وضعيفًا، لكنّكَ ستخيب إذا راهنتَ على ابتزازي في مسألة الجوهر والحرّيّة. رابع المستحيلات، ولو موتًا على بوّابة جبل (جبال) الصوّان.
قدماكَ على رملٍ متحرّك، وأنتَ تهذي. حين وحيث لا مفرّ، لا مفرّ. البحر مسكّرٌ في وجهكَ، ظَهرُكَ مكشوف. لا أحد معكَ. حلفاؤكَ ليسوا حلفاءكَ، أكانوا هؤلاء الذين في الداخل أم أولئك الذين في الخارج. لن تستطيع أنْ تُحدِث خرقًا، أو أنْ تغيّر حرفًا واحدًا في “المكتوب”. سيمضي زمنٌ عتيدٌ قبل أنْ تنقلب أحوال الأمم. خلال ذلك، أهلُكَ يبيعون الأراضي، يتركون البيوت، ويهاجرون. نُخَبُكَ تبحث عن سماء، عن سقف، عن باب رزق، عن العيش، عن الحرّيّة. لحِّقْ حالكَ. تعالَ نتحاور على أساس هذه المعطيات الآنفة. أعرف أنّكَ لستَ متهوّرًا، ولن تنتحر. أليست هي الطريقة المناسبة لإكمال مشورانا معًا و… لانتخاب رئيس، وتأليف حكومة، وتعيين حاكم، وقائد جيش، وإلى آخره؟
ولا بالمنام. هذا اغتصاب وليس حوارًا. إملاء الشروط، نعرفه، ينتج تسويةً قهريّةً بين غالبٍ ومغلوب، بين طرفَين غير متساويين. والنتيجة أنهارٌ تلو أنهارٍ من الدم. جُرِّبتْ هذه الطريقة سابقًا، هاك ما انتهت إليه…
طوِّلْ بالك، يا زلمة. مش ها القدّ. لودريان في الطريق. وسواه أيضًا. السعوديّة وإيران بألف خير، كما بتَّ تعلم. ثمّة نوّابٌ وأطرافٌ يغيّرون رأيهم وموقفهم. صدِّقْني. حوارنا تحت قبّة مجلس النوّاب هو المخرج، ويطرّي الأمور، ويجعل المستحيل ممكنًا. الأستاذ أستاذ، والأرانب تتوالد بكثرة…
حوارنا الافتراضيّ هذا، لن يخطو خطوةً قبل أنْ تضرّجه الألغام. الحوار الذي تريده، لن يشهد النور وفق تصوّراتكَ الجائرة. وهذا الكلام، كلامنا، الذي يُقال حول ضفّتَي هذا النهر، ألا ترى أن النهر يجرفه إلى العدم، وإنْ في شهر أيلول. لقد قلنا ما قلناه. الله يوفّقكَ، ويوفّق “دولته”… في دولتكَ. بخاطرك.
رأي حر حوار افتراضيّ على ضفّتَي نهر أيلول اللبنانيّ (عقل العويط)