لا يزال ملف النزوح السوري يرخي بثقله على الداخل اللبناني، من دون أن تنفع حتى الآن كل محاولات معالجته، وسط تخبّط داخلي و«خبث» خارجي. ليس هذا فقط، بل هو يستمر في التضخّم والانتفاخ مع تدفق المزيد من السوريين، بدل أن ينخفض منسوب الموجودين هنا.
بينما كان لبنان يئن من الوجع تحت وطأة استضافة نحو مليوني نازح سوري على أرضه، ويحاول بكل الوسائل الممكنة إعادتهم الى بلادهم، إذا به يُفاجأ بموجة جديدة من النزوح تجتاحه، وهذه المرّة لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، مع تفاقم تداعيات الأزمة المعيشية في سوريا نتيجة الحصار الذي فُرض عليها بموجب «قانون قيصر».
وقد أتى هذا التدفق لآلاف النازحين الجدد خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الشهر، ليوجّه ضربة موجعة إلى المساعي المبذولة من أجل تحقيق العودة الآمنة، فارضاً وقائع صادمة على اللبنانيين الذين بوغتوا بالزحف الكبير، فيما كانوا ينتظرون تخفيف الأعباء الثقيلة التي يرزحون تحتها منذ سنوات جراء استضافة السوريين.
والمفارقة انّ دخول طوابير النازحين عبر مختلف المعابر يتمّ «على عينك يا تاجر» وفي وضح النهار، علماً انّ الجيش أوقف عدداً منهم، بينما تمكّن الجزء الأكبر من التغلغل في الداخل اللبناني بحثاً عن فرص عمل، في بلد يواجه بطالة مستفحلة دفعت الكثير من أبنائه إلى الهجرة!
وعلى وقع التهديد المتفاقم للأمن القومي اللبناني، عُلم انّ مسؤولي ملف النازحين في «حزب الله» نوار الساحلي، وفي «التيار الوطني الحر» نقولا شدراوي، سلّما المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري خطة لاحتواء خطر النزوح، تقضي بإشراك البلديات في المعالجة من خلال إجراءات محدّدة، مثل إحصاء عدد النازحين ضمن نطاق كل بلدية والتدقيق في اوضاعهم القانونية والطلب من العائلات النازحة المغادرة، على أن يبقى العمال إذا كانت هناك حاجة إليهم لسدّ الاحتياجات في بعض المهن.
واقترح ممثلا الحزب والتيار ان يحصل تعاون وتنسيق بين البلديات والامن العام على مستوى التنفيذ، فيما أبلغهما البيسري بأنّه سيدرس الخطة ليُبنى على الشيء مقتضاه.
وتعتبر مصادر مطلعة ومواكِبة لهذا الملف، انّ المطلوب إزاء التفلّت الحاصل تشدداً أكبر في مراقبة المعابر وضبطها، خصوصاً غير الشرعية منها، لافتة إلى وجوب سدّ الفجوات البرية التي يتسرّب عبرها النازحون.
وتؤكّد المصادر انّ الدافع الاقتصادي هو المحرّض الأساسي على النزوح المتجدّد، كاشفة انّ اغلب المتسرّبين خلال الأيام الاخيرة هم من الشباب الذين ضاقت بهم السبل في سوريا، فقرّروا المجيء إلى لبنان للعمل.
وتحذّر المصادر من انّ الواقع الداخلي لا يتحّمل العبء الإضافي من النازحين، خصوصاً انّ الهواء يكاد يضيق على المواطنين اللبنانيين وسط مزاحمة النازحين السوريين لهم على كل شيء وحتى على الأوكسيجين.
وتعتبر المصادر انّ هناك نوعاً من غضّ الطرف الغربي عمّا يجري حالياً، ظناً من البعض في الخارج انّ زيادة أعداد النازحين سيعزز أوراقه وسيُفاقم الضغط على «حزب الله».
وتضيف المصادر: «اذا افترضنا انّه يوجد من بين نحو مليوني نازح 400 الف معارض لـ»حزب الله»، وضمن هؤلاء يوجد 10 بالمئة فقط يملكون أسلحة، أي 40 الف شخص، وهذا هو الحدّ الأدنى المرجح، فإنّه يمكن عندها تقدير حجم الخطر الذي يمثله هؤلاء وطبيعة الاستثمار الغربي لهم في حساباته ومشاريعه».
وتشدّد المصادر على ضرورة أن تتوقف مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمات غير الحكومية عن تمويل النازحين، لتحفيزهم على العودة، ولكن صار واضحاً أن لا قرار سياسياً في هذا الإطار بغية الاستمرار في استغلالهم لمآرب سياسية.