أربكت دعوة رئيس مجلس النوّاب نبيه بري إلى الحوار وفتح مجلس النواب بعده لجلسات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية القوى المعارضة، بعدما قوبلت بمباركة بكركي وفريق من السنّة و»الحزب التقدمي الإشتراكي»، والتقى معها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وإن جاءت موافقته مشروطة. يلتقي «التيار» مع برّي على تقصير وقت الجلسات، وتليها جلسات نيابية متتالية بشرط أن يعقد الحوار في مجلس النواب من دون رئاسة، بل يلتقي رؤساء الكتل النيابية ويتفقون على اسم المرشح، ويلي ذلك جلسات لانتخاب الرئيس.
يمكن التعاطي مع دعوة برّي للحوار على أنّها المعطى الجدّي الوحيد الذي يجرى إدخاله حيّز التنفيذ بينما لم تتجاوز المبادرات أو المساعي الأخرى نطاق التكهّنات من دون أي معطى مؤكد. منذ نحو أسبوع يتردّد الحديث عن مبادرة قطرية، وأنّ وفداً سيصل إلى لبنان من الدوحة (يُتوقّع وصوله اليوم) وفي جعبته بعض أسماء المرشحين للرئاسة، ليتبيّن أنّ المتداول في هذا الإطار مجرّد صيغ قديمة لم ترقَ إلى مستوى الجدية. أما لناحية فرنسا وموفدها الرئاسي جان إيف لودريان فليس معلوماً بعد موعد وصوله ولا تزال زيارته ترسم حولها علامات استفهام حول ما يمكن أن يحمله بعدما قوبلت برفض المعارضة. فهل يسبق حوار برّي وصوله أم يليه أم هو آتٍ لإدارته؟
لا شيء واضح بعد، ولو أنّ الحوار بذاته مفيد في رأي «حزب الله» الذي يستغرب كيف تلبّي المعارضة دعوة القوى الخارجية للحوار ولو بالواسطة من خلال اللجنة الخماسية وترفض دعوة داخلية في شأنه.
قبل دعوته إلى الحوار تلقّف بري بإيجابية الحوار الجاري بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر»، ويعتبر «حزب الله» أنّ حوارهما إيجابي لأكثر من هدف، وأهمّه أنه يسحب فتيل التوتر ولو اختلفت غايات كل فريق عن الآخر. ويُنتظر أن تعقد اللجنة المشتركة أول اجتماعاتها الأسبوع المقبل.
في تقييم بعض القوى، يستفيد باسيل من الحوار باعتباره مدخلاً لإمرار الوقت ولقطع الطريق على قائد الجيش جوزاف عون، ويعتبره «حزب الله» فرصة لبداية البحث حول مرشحه سليمان فرنجية، ولو أنّ أياً منهما لم ينل مطلبه بعد، فلا قطعت الطريق على عون، ولا ضمن «حزب الله» انتخاب فرنجية. الحوار لم يلامس ملف الرئاسة بعد، ويتركز على مشروع الحكم والصندوق الائتماني واللامركزية التي تبنّى باسيل في شأنها مشروع زياد بارود الموجود في مجلس النواب، وتفترض مناقشته وإرسال الأجوبة عنه، لكنه يتطلّب مساراً طويلاً ويستلزم أشهراً وربما سنوات، فهل يمكن ربط الرئاسة بالنقاش حول اللامركزية. وماذا عن حلفاء «الحزب» ممن يعتبرون أنفسهم غير معنيين بأي نتائج للحوار بينه وبين «التيار» وغير ملزمين بنتائجه، ومن بينهم برّي؟
ولذا لا بدّ من تجاوز النقاش على اللامركزية أو إبقائه ضمن نطاقه والدخول إلى الرئاسة، وإلا فلن يؤدي الحوار بين الفريقين غرضه، وحتى الساعة لا يزال «حزب الله» يأمل في أن يقتنع باسيل بأهمية الانخراط مباشرة في الحوار الرئاسي والشروع في تداول الأسماء.
فـ»التيار» لم يطرح اسماً بعد، لكن هناك 4 أسماء متداولة، هم: جورج خوري، جان لوي قرداحي، ناجي البستاني، وزياد حايك، على أمل أن ينال أي منهم رضى «حزب الله» وموافقته، ولو أنّه لم يتجاوز ترشيح فرنجية ويتمسّك به وغير مستعدّ بعد لفتح النقاش حول أي مرشح آخر. في كل حال يعتبر «حزب الله» أنّ الحوار كمبدأ مفيد وإن لم يصل إلى نتيجة. ويترقّب بري التفاعل مع دعوته، في وقت تشخص عيون الجميع نحو عودة لودريان، أما القطري فيمكن أن يكون أي طرح من قبله مباركاً أميركياً، ولكن ليس من الثنائي. وإذا كانت قطر تسعى إلى مصادرة أي مسعى فرنسي بدفع أميركي فيعني ذلك أنّ عودة لودريان باتت على المحكّ، ذلك أنّ ضعف الفرنسيين ومحاولة قطر القفز فوق الدور الفرنسي والتزام السعودي الصمت، إنما يعني أنّ الرئاسة لا تزال بعيدة، وأن كل ما يطرح مجرد تقطيع للوقت، على ما تؤكد مصادر سياسية رفيعة.