تحت ضغط من صندوق النقد الدولي وجهات إصلاحية رفعت الصوت مراراً منذ سنوات، اضطر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالإتفاق مع «الثنائي الشيعي» عبر وزير المالية يوسف خليل الى إطلاق تطبيق جباية ضريبة ايرادات رؤوس الأموال المنقولة الاجنبية، وفقاً لمادة أدرجت في موازنة 2023، لكن التطبيق ملغوم بإعفاء عن سنوات 2021 وما قبل! وتلك الايرادات الخاضعة للضريبة تتحصّل من أصول وأموال وحسابات لبنانيين موجودة في الخارج بينما أصحابها موجودون في لبنان لمدة تزيد على 181يوماً، وبالتالي عليهم التصريح عن تلك الايرادات لوزارة المالية، وفقاً لاتفاقية دولية وقّعها لبنان، ويفترض أنها نافذة محلياً منذ 2016/ 2017.
لكن وزارة المالية بقيادة «الثنائي» تجاهلت طيلة سنوات طلب تلك المعلومات من الدول المعنية، كما تجاهل المعنيون التصريح تلقائياً عن ايراداتهم الخاضعة للضريبة التي يقوم تطبيقها على تبادل المعلومات الضريبية ( CRS ) مع 187 دولة. وكان لبنان منذ سنوات يزود تلك الدول بالمعلومات عن رعاياها المكلفين ضريبياً، ولا يطلب منها معلومات عن رعاياه لحماية ثروات شريحة معينة مرتبطة بالمنظومة الحاكمة والمصرفيين والأثرياء المتحالفين مع السلطة أصحاب اليد الطولى في كيفية إقرار/ أو عدم إقرار القوانين الضريبية!
ذلك التطبيق إذا أقرّ يحمل في طياته فضيحة تهرّب ضريبي هائلة تحرم الخزينة من عدة مليارات من الدولارات. فالمادة المذكورة في موازنة 2023 تعفي من تلك الضريبة للسنوات 2021 وما قبل، شرط أن يلتزم التطبيق الجديد الأشخاص الطبيعيون والمعنويون المقيمون في لبنان الذين خضعوا لأحكام المادة 82 من قانون ضريبة الدخل. والإعفاء مشروط أيضاً بالتصريح عن تلك الايرادات وتسديد الضريبة المتوجبة ضمن مهلة 6 اشهر من تاريخ نشر قانون الموازنة، دون ان يتوجب على المكلفين أي غرامة تحقق أو تحصيل في حال التصريح والتسديد ضمن المهلة المشار اليها.
وكان النائب ميشال ضاهر أشار خلال مناقشة موازنة العام الماضي في ايلول 2022 بوضوح شديد وبصوت عالٍ الى ذلك التقصير الفادح في الجباية، وقال متوجهاً الى ميقاتي: «ليش مش عم تطبقوا نظام CRS؟ فسأل رئيس مجلس النواب نبيه بري وميقاتي آنذاك «شو يعني CRS؟» فردّ الضاهر: «إنه نظام يدخل الى الخزينة ملياراً ونصف المليار دولار، وبتطبيقه ستدفع أنت (أي ميقاتي) 50 مليون دولار سنوياً». فأقفل بري النقاش سريعاً، وقال: «بعدين…بعدين!»، على مرأى ومسمع مئات آلاف اللبنانيين الذين كانوا يتابعون تلك الجلسة المتلفزة.
وللدلالة على خطورة ما يريدون إمراره، أكد المحامي كريم ضاهر بصفته رئيس «الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين» أن ذلك الإعفاء «يعتبر تغطية خطيرة على جرم التهرب الضريبي المتصل حكماً بجرم تبييض الأموال، وأنه عفو عن الجرائم». وأضاف: «يعلمون خطورة التطبيق الصحيح عليهم، وإلا سيتهمون ليس بالتهرب الضريبي في لبنان فحسب، بل بتبييض تلك الأموال في الخارج أيضاً». واتهم ضاهر مجلس الوزراء (مجتمعاً) لأنه وافق على تلك المادة بـ»تجاوز حدّ السلطة وسوء استعمال المركز وصرف النفوذ، وهذا يعاقب عليه القانون»، داعياً النواب والرأي العام «الى مقاومة ما يريد البعض إمراره لمصلحته الخاصة وضد المصلحة العامة».
ويؤكد الخبير المالي والمصرفي والمستشار السابق في وزارة المالية الدكتور هنري شاوول أنه كان من أوائل من ركز على أهمية ذلك التطبيق في 2020 عندما عمل مع شركة «لازار» على وضع خطة الاصلاح والتعافي آنذاك. وما انفك منذ ذلك الحين، ودورياً، يذكّر بالضرورة القصوى للتطبيق لما له من أثر ايجابي مرتفع جداً على ايرادات الموازنة العامة، إذ يمكن جباية مليارات كثيرة نحن في أمس الحاجة اليها الآن، كما أنّ التطبيق الصحيح، يضع حداً للاستهتار المستفزّ بالمصلحة العامة، ويؤسس لنظام ضريبي عادل لا يقع فيه العبء الأكبر على الفقراء والطبقة الوسطى فقط.
وتجدر الإشارة الى معلومات موثقة تفيد بأن انتظار سنوات لبدء التطبيق تخلله ترتيب أوضاع في الخارج بحيث لا يمكن بسهولة تتبع الثروات المتهربة من الضرائب، لكن يمكن لوزارة المالية إذا أرادت التطبيق الصارم الوصول الى كل المعلومات التي تريدها بمساعدة دول كثيرة جاهزة اليوم أكثر من أي وقت مضى لمساعدة لبنان على النهوض من أزمته الكارثية مالياً واقتصادياً واجتماعياً، في الوقت الذي ينعم فيه البعض بثروات متهربة من الضرائب كما ثروات تحققت خلال الأزمة ومليارات هرّبت من البلاد بمساعدة مصرفيين، وغض طرف من الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة ورئيسة لجنة الرقابة على المصارف مايا دباغ.