كما كان متوقّعاً، لم يصمد وقف إطلاق النار بين فتح والإسلاميين في عين الحلوة. بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على اتفاق هيئة العمل الفلسطيني المشترك والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري، تجدّد الاشتباك بعد ظهر أمس قبل أن ينحسر مساء. وفي المعلومات، فإن ما أشعل محور حي حطين «قيام مقاتلين من فتح باستهداف منزل ذوي القيادي في كتائب عبدالله عزام، محمد جمعة (أبو جنى)، في حي المنشية بناءً على معطيات أفادت بأنه موجود فيه، ما أدى إلى تضرر المنزل، واحتراق منزل مجاور لعائلة من آل المقدح». وسرعان ما ردّ جمعة ومجموعات إسلامية أخرى على هجوم فتح، ما أشعل سائر المحاور. مقاتلو فتح استغلّوا تجدّد المعركة فقصفوا أهدافاً في حي الصفصاف، عرين «عصبة الأنصار»، ووُجّهت نداءات نُسبت إلى فتحاويين تطلب من أهالي الصفصاف إخلاءه تحت تهديد تدمير المنازل على رؤوس من فيها. وفُسّر الأمر على أنه انتقام من «العصبة» التي «غدرت بنا بمشاركتها في القتال منذ اندلاع الاشتباك الثاني ليل الخميس الماضي. بعدما نأت بنفسها عن المشاركة في الجولة الأولى».
النقمة الكبرى صبّها الفتحاويون على حماس التي اتّهموها بـ«دعم الإسلاميين لتصفية حساباتها مع فتح ومصادرة قرار المخيمات». وعبّر عن ذلك المشرف على الساحة اللبنانية في فتح عزام الأحمد خلال جولته أمس على مرجعيات أمنية وسياسية لبنانية، إذ هاجم الأحمد حماس من دون أن يسميها، مستحضراً تزامن الاشتباك الأول نهاية تموز الماضي مع اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الذي دعا إليه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لاستكمال المفاوضات حول المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس. وقال الأحمد إن «ما حصل في عين الحلوة ليس من صنع محلي في لبنان، وليس بعيداً عما حصل خلال اجتماع الأمناء العامين من أجل تعزيز الوحدة الفلسطينية. وهو يهدف للنيل من الشعب الفلسطيني ومحاولة تصفية قضيته». ونقل الأحمد إلى المسؤولين اللبنانيين رسالة من أبو مازن تفيد بأنّ فتح «ستبقى بالمرصاد وتعزّز الأمن والاستقرار في عين الحلوة. والبعض تمنّى لو يتمدد القتال إلى المخيمات الأخرى. هذا لن يحصل ولدينا القدرة على منعه».
ad
على وقع أزمة الثقة بين فتح وحماس، اختُتم يوم الجولات الطويل بلقاء بين الأحمد وقيادة فتح في لبنان وممثلي حماس في السفارة الفلسطينية للبحث في تثبيت وقف إطلاق النار. وبحسب مصدر مشارك في الاجتماع، «اختصر حضور حماس القوى الإسلامية بعدما تولّت التفاوض باسمها وباسم الإسلاميين مع فتح».
ووفق مصدر مشارك في اجتماع السفارة، فإن النقاش كان حاداً بين الأحمد من جهة وممثل حركة حماس أحمد عبد الهادي. واستحضر الطرفان ملفات الخلافات القديمة والجديدة من قطاع غزة إلى الضفة الغربية وساحات الشتات إلى الصراع على القرار الفلسطيني في مخيمات لبنان. وتوقّفا عند حادثة مخيم البرج الشمالي عام 2021 عندما أطلق عناصر فتحاويون النار على موكب تشييع شهيد حمساوي، ما أدّى إلى سقوط خمسة قتلى. وكان عبد الهادي استحضر حادثة البرج الشمالي في اجتماع الأمن العام أول من أمس، ولفت إلى أن حماس التزمت بضبط النفس ولم تنجرّ إلى معركة ثأر لشهدائها كما تفعل فتح حالياً في عين الحلوة، فما كان من ممثل فتح إلا أن ذكّره بأن فتح بادرت سريعاً إلى تسليم المشتبه بهم.
وكان اجتماع الأمن العام أفضى إلى تأسيس لجنة ثلاثية لمراقبة تثبيت وقف القتال مؤلّفة من فتح وحماس والعصبة. لكنّ جهات معنيّة شكّكت في إمكانية نزول اللجنة إلى الميدان في ظل أزمة الثقة المتبادلة بين فتح وكل من العصبة وحماس، وإعلان فتح أنها لن تترك الميدان إلا بعد اجتثاث الإرهاب من عين الحلوة والثأر من قتلة أبو أشرف العرموشي ومرافقيه. لذلك، لا يأمل كثر بإنهاء القتال قريباً، ويرجّحون أن يشهد عين الحلوة جولات متكررة من الاشتباكات التي تفضي إلى لا غالب ولا مغلوب.
منظمات الأمم المتحدة المعنيّة بالشأن الفلسطيني تبلّغت بأن المخيم لن يهدأ قريباً. وفي ما بدا بأن «القصة مطوّلة»، وقبل تجدّد الاشتباك بعد ظهر أمس، كانت الأونروا صباح أمس تجلي النازحين من بلدية صيدا إلى مدرسة بيت جالا في سبلين في إقليم الخروب ومدرستَي نابلس وبيرزيت في صيدا. وفي وقت لاحق، عقدت المنظمات اجتماعاً في الإسكوا لتوزيع الأدوار في خطة إغاثة النازحين وتأمين بدء العام الدراسي لطلاب عين الحلوة.
ad