باتت قوى سياسية لبنانية عدة تنظر إلى الحراك الفرنسي رئاسياً، لا سيما منه جولات الموفد جان إيف لودريان، على أنّه إثبات «أنّنا هنا»، من دون نتيجة تصنع فارقاً في «الستاتيكو» على أبواب عام من الشغور في كرسي رئاسة الجمهورية.
وعلى رغم ما يُبث عن تحرّك قطري جديد على الصعيد الرئاسي، ترى جهات سياسية أساسية أنّ لا ضوء رئاسياً في الأفق المنظور. وفي انتظار الإشارة الحاسمة عبر معطى إقليمي واضح أو تغيُّر في الدفة النيابية المرجحة رئاسياً، لا يزال الأفرقاء السياسيون في لبنان على مواقفهم. وإذ ضُخت أجواء تفيد بأنّ «حزب الله» بات مستعداً لسحب ترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية والبحث في خيار آخر، لم تظهر حتى الآن أي ترجمة لذلك. ولا يزال «الثنائي الشيعي» يؤكد دعمه لفرنجية، وتؤكد مصادر مطّلعة على موقف «حزب الله» أن ليس لديه خطة (ب) حتى الآن، و»تقلّل» من أهمية اللقاء الذي جمع رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد وقائد الجيش العماد جوزاف عون وانعكاساته رئاسياً. فماذا ينتظر «الحزب»؟
بحسب المصادر نفسها، لا يزال الفريق الداعم لفرنجية وفي مقدّمه «حزب الله»، ينتظر موقف السعودية النهائي، معتبراً أنّ السعودي لم يقُل كلمته الرسمية رئاسياً بعد. كذلك لا يزال مؤيدو فرنجية يعتبرون أنّ مرشحهم الرئاسي «معتدل» ويُمكن أن يحظى بـ»رضى» الرياض.
إنطلاقاً من ذلك، يؤثِر «حزب الله» عدم الدخول في تشريح أي أسماء مطروحة رئاسياً، فهو بمعزل عن موقفه من أي مرشح، لجهة ملاءمته لأهدافه الرئاسية أو عدم استيفائه الشروط المطلوبة، إلّا أنّ «الحزب» لا يزال يحاول إيصال فرنجية بالتسوية والأثمان المطلوبة، لذلك «يعمل» على استمالة بعض النواب، إضافةً إلى تكتل «لبنان القوي»، إلى الضفة المؤيدة لفرنجية.
وتقول مصادر مطّلعة، إنّ «حزب الله» ورئيس مجلس النواب، أبلغا إلى لودريان الذي تحدّث باسم اللجنة الخماسية، أي أبلغا إلى هذه اللجنة التي تضمّ قطر، أن لا بحث في اسم رئاسي ثالث وأنّ مرشحهما هو فرنجية.
في المقابل، تعتبر جهات سياسية معارضة، أنّ رهان «الثنائي الشيعي» على السعودية فاشل وساقط، فهذا الفريق يريد أن يبرّر للبنانيين مواصلته للتعطيل، ويخترع ذرائع وحججاً لذلك. وتذكّر هذه المصادر، بأنّ بري سبق وأن أسرّ سابقاً عند إطلاق المبادرة – المقايضة الفرنسية الأولى، أنّ باريس ستبلغ السعودية والرياض بدورها ستبلغ أصدقاءها في لبنان، وتطلب منهم السير بمبادرة فرنجية رئيساً – الديبلوماسي نواف سلام رئيساً للحكومة. وبعد مرور أشهر على هذه المبادرة ثبتت معارضة السعودية لها، وعلى رغم مواصلة الرئيس الفرنسي التمنّي على ولي العهد السعودي السير بمبادرته، تظهّر الموقف السعودي الواضح، وهو أنّ الاستحقاق الرئاسي شأن لبناني داخلي، وانتهت الأمور عند هذا الحدّ. بالتالي، ماذا ينتظر «الثنائي الشيعي» وماذا يريد بعد؟
وتشير هذه المصادر المعارضة، إلى أنّ هذا الفريق لا يزال يدور في الحلقة نفسها: حوار ورهان على الخارج. وتقول: يتحدث عن إسقاط الاستكبار العالمي والاستعمار، فيما أنّه يقف على أبواب السفارات في انتظار تحوّل خارجي ما يؤثر على الوضع الداخلي». وتذكّر بأنّ هذا تاريخ هذا الفريق، الذي حكم لبنان أولاً من خلال عضلات الاحتلال السوري، ويحكمه الآن من خلال الدولة الإيرانية وتمدّدها ومشروعها وسلاحها. وتشدّد على أنّ رهان هذا الفريق على الموقف السعودي خاطئ، لأنّ موقف السعودية واضح وهو أن تُجرى الانتخابات الرئاسية وفقاً لـ»اتفاق الطائف» وليس انقلاباً عليه. وهي لن ترضى لا بحوار يؤدّي إلى ضرب الدستور وإلى مزيد من الانقلاب على «اتفاق الطائف» ولا برئيس يكرّس الانتصار الإيراني في لبنان، إنّما تريد رئيساً من خارج الاصطفافات يؤدّي إلى توافق اللبنانيين ويفتح باب دعم الرياض للبنان.
إنطلاقاً من ذلك، وبالتزامن مع الحديث عن تدخُّل قطري جديد وبالأسماء على الخط الرئاسي، تشير مصادر مطّلعة إلى أنّ القطري كالفرنسي موجود ويتحرّك رئاسياً، إلّا أنّه ومهما كانت مبادرته الرئاسية، يواجه إشكاليتين أساسيتين:
الأولى، إقناع إيران التي تربطه علاقات جيدة بها، بالتدخل مع ذراعها في لبنان، لكي تضغط عليه للتراجع عن مرشحه الرئاسي، فيما يبدو أنّ طهران ليست بهذا الوارد في هذه اللحظة.
الثانية، مهمة الوصول إلى نتيجة مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، خصوصاً إذا كان الاسم المطروح قائد الجيش، الذي لا يزال باسيل يرفض وصوله «مهما كان الثمن»، وبالتوازي إقناع بري و»حزب الله» بمرشح ثالث (غير فرنجية والوزير الأسبق جهاد أزعور)، وهذا يبدو غير متيسّر حالياً. إنطلاقاً من هذه المشهدية الرئاسية، لا تعوّل جهات سياسية عدة على حراك قطري ناجع رئاسياً بعد فشل المبادرات الفرنسية حتى الآن، لأنّ الاستحقاق الرئاسي في حلقة مقفلة، ولم تجد أي جهة مفاتيحه بعد، لا في الداخل المحرّك لجهة «الثنائي الشيعي» أو باسيل ولا لدى الخارج المؤثّر خصوصاً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.