أخطر ما في الأزمة الرئاسية الآخذة بالتمدد تحذيرات ديبلوماسية غربية تجمع على اعتبار أنّ «لبنان سيغرق بمزيدٍ من الأزمات لا سيما مع موجة النزوحٍ الجديدة من سوريا وهشاشة وضعه الأمني، وهذا ما يمكن أن يؤدّي إلى انفجار غير متوقّع». عوامل عدة يمكن أن تؤجج الوضع في لبنان بناء على تراجع الإهتمام الدولي والأميركي على وجه التحديد، وفشل اجتماع «الخماسية» الأخير. تؤكد مصادر ديبلوماسية أهمية الربط بين الملفات الإقليمية وملف الرئاسة في لبنان الذي وكما «دفع ثمن الصراع العربي- الإسرائيلي، سيدفع أيضاً ثمن السلام وسيدفع ثمن ما يجري في سوريا حالياً». وخلافاً لما تردده أطراف لبنانية من أنّ حل أزمة الرئاسة في لبنان محليّ بحت وأنّه يمكن إنتخاب رئيس للجمهورية من خلال حوار لبناني داخلي، فإنّ الوقائع الإقليمية والدولية المحيطة تشي بالعكس تماماً. اذ لا يمكن من وجهة نظر ديبلوماسية عزل ما يجري في المنطقة عن ملف المفاوضات الايرانية – الأميركية.
عكست صفقة تبادل الأسرى مقابل الإفراج عن جزء من أموال ايران المجمدة، سياسة انفتاح ومرونة تتقصدها أميركا قبيل انتخاباتها الرئاسية ما يجعل حلفاء ايران في لبنان والمنطقة «مرتاحين الى أوضاعهم»، فلا يضطر «حزب الله» للتنازل في الموضوع الرئاسي. مسألة ثانية ستحدث إن اكتملت فصولها تغييراً واسعاً في المنطقة، وهي تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل والذي ستتأثر فيه المنطقة من فلسطين إلى مصر فسوريا وصولاً إلى لبنان والأردن اللذين سيدفعان «الثمن على صعيد النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين». اللافت في أزمة الرئاسة في لبنان والذي يستحق التوقف عنده من وجهة نظر ديبلوماسية، هو برودة الموقف الأميركي حيال اجتماعات «الخماسية» التي انتهت إلى الفشل، بما يؤكد أنّ اهتمامها محصور بـ»زاوية الحدود البحرية والبرّية مع إسرائيل والحدِّ من نفوذ حزب الله». تعبير ثان عن تراجع الإهتمام الأميركي ظهر جلياً في الاجتماع الذي جمع وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن مع وزراء مجلس التعاون الخليجي حيث غاب لبنان عن جدول البحث مقابل بحث الأوضاع في كل من سوريا وإيران واليمن إلى جانب قضايا أخرى. معلومات واشنطن الدقيقة، حسب تقرير ديبلوماسي، تقول إنّه ليس لدى الأميركيين جدول أعمال خاص بلبنان، وهم يريدون المحافظة على التنسيق بين أطراف اللجنة الخماسية، والحفاظ على سياسة الإنفتاح على كل الأطراف في لبنان باستثناء «حزب الله». وهذا يعني «أنَّ الاميركيين، رغم كلّ التحريض اللبناني ودعوات بعض أعضاء الكونغرس، لا يريدون اللجوء إلى عقوباتٍ أو إجراءاتٍ حادَّة تقطع الاتصال مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي».
بات بحكم المؤكد والمتداول في النقاشات الديبلوماسية أنّ واشنطن تمتنع عن دعم مرشَّح بالاسم، أو الاعتراض على مرشَّح آخر، حتى لو كان سليمان فرنجية. وموقفها يتلخَّص بالتعاون مع أيَّ رئيس يتَّفق عليه اللبنانيون. في المقابل، لا تخفي نوعاً من القبول الصامت بشخص قائد الجيش جوزاف عون. وما يهم الإدارة الأميركية هو استمرار الاستقرار في لبنان وعلى الحدود مع إسرائيل. وقد صبّت زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين قبل ثلاثة أسابيع، والعائد في تشرين الاوّل المقبل، في هذا الإطار. وهو «أراد التأكدَّ من أنَّ الأطراف المعنية ما زالت جدّية في تطبيق ما أتّفق عليه قبل عام. وقالت مصادر الحكومة الأميركية إنَّه عاد من لبنان متفائلاً».
انطلاقاً مما تقدم تخلص هذه النقاشات إلى الاستنتاجات التالية:
1- تجنّب السعودية والولايات المتحَّدة الأميركية التورّط في أيِّ خيارٍ رئاسي لبناني أو الغرق في المستنقع اللبناني خشية تلقّي العواقب.
2- سعي قطر لملء الفراغ مستفيدة من علاقتها المتوازية مع جميع الأطراف الداخلية والخارجية وصولاً إلى إيران. وهي في شراكة سياسية ونفطية مع فرنسا عبر «توتال»، لكنَّها على قطيعةٍ مع الرئيس بشَّار الأسد، الذي يأخذ «حزب الله» رأيه بعين الاعتبار.
4- منذ الاجتماع الاوَّل للجنة الخماسية في 6 شباط 2023 في باريس، وقطر تسوِّق لقائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً مقبلاً للجمهورية. وفي واقع الامر، فإنَّ جميع أطراف اللجنة تزكّي العماد عون. ولكن أمام استحالة تجاوز «الثنائي الشيعي» عرضت فرنسا واقعياً معادلة سليمان فرنجيه – نواف سلام. صحيح أنَّ المعادلة سقطت باعتراض أطرافٍ داخلية وازنة بدعمٍ مكتوم من السعودية، فإنَّ العقدة الشيعية، مضافاً إليها عقدة النائب جبران باسيل ما زالت تعيق حتى الآن التوصَّل إلى انتخاب العماد جوزاف عون.
5- في حسابات «حزب الله» أنَّه لن يبيع ورقة رئاسة الجمهورية لحسابات محلّية، بل يربطها بصفقة دولية مع أميركا أو عربية مع السعودية، وهو ما لم يحدث ولن يحدث في المدى المنظور. كما إنّه في حالِ اضطرّ «الحزب» إلى السيّر بالعماد جوزاف عون يكون قد خسر النائب جبران باسيل وسليمان فرنجية معاً لصالح مرشَّح غير مضمون. ويعمل القطريون على تقديم إغراءات وضمانات للنائب جبران باسيل لقاء السّير بالعماد جوزاف عون.
6- لن يكتفي أطراف اللجنة الخماسية بمجرّد انتخاب رئيس للجمهورية. فهم كبّلوا الواقع السياسي بدفتر شروطٍ قاسٍ وردَ في بيان اجتماع الدوحة حول لبنان في 17 تموز 2023، وفيه عناوين قاسية حول القرار 1559 والـ1701 وشروط صندوق النقد الدولي، وهو أمر لا يقبل به «حزب الله» وقسم كبير من الطبقة السياسية. أمّا التطبيق، فيحتاج إلى حروبٍ وأساطيل ليست في المتناول في المدى المنظور.
7- إنَّ حسمَ الازمة اللبنانية يحتاج إلى تسويةٍ كبرى داخلية وخارجية على غرار «اتفاق الطائف» أو انفجار يكسر «الستاتيكو».
8- استناداً إلى هذه الوقائع فإنَّ لبنان سيغرق بمزيدٍ من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تعزّزه موجة نزوحٍ جديدة من سوريا مع هشاشة في الوضع الأمني. وهذا ما يمكن أن يؤدّي إلى انفجار غير متوَّقع.