بدأت تتسرب الأجواء السلبية جداً التي رافقت جولة وفد صندوق النقد الدولي (في الأسبوع الثاني من الشهر الماضي) على عدد من كبار المسؤولين، وعلى رأسهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، واللقاءات التي عقدها الوفد مع النواب، ولا سيما «نواب المنظومة».
وأكدت مصادر مطلعة أنه «بنتيجة تلك الزيارة، بدأ مسؤولون لبنانيون يسعون الى تغيير المسؤول عن الملف اللبناني في الصندوق ارنستو راميريز، متهمينه بعدم المرونة، وأنه لا يصلح كي يستمر تعاون لبنان مع الصندوق». وأضافت: «في اجتماع مع مسؤول برلماني فوجئ الوفد بقصر مدة اللقاء، وكانت لافتة الإشارة الفجّة من المسؤول الى مستشاره بإنهاء اللقاء سريعاً مع وفد الصندوق. ولم تكن اللقاءات أقل سلبية أيضاً مع نواب معارضين للاتفاق مع الصندوق بالصيغة التي وقّعت في نيسان 2022».
وفي تفسير ذلك، شرحت المصادر لـ «نداء الوطن» أنّ المعترضين يتحدثون عن عقدة الودائع، بينما حقيقة الأمر مغايرة لذلك تماماً. وقالت: «الإصلاحات الواردة في الاتفاق تتعارض ومصالح «المنظومة»، وتنفيذها يعني حتماً الانتقاص من هيمنة أطراف سياسية نافذة على ما تبقى من الدولة ومرافقها، بل إنّ الاصلاح الحقيقي يكشف الفساد المستشري في مفاصل الدولة ووزاراتها وإداراتها ومؤسساتها العامة».
وللمثال، أوضحت المصادر «أنّ صندوق النقد يصرّ على تعديل إضافي لقانون السرية المصرفية، والتعديل المطلوب يكشف حتماً أطرافاً فاسدة نافذة. كما أنّ «الكابيتال كونترول» الذي يطلبه الصندوق يتعارض ومصالح المصرفيين والمتنفّذين سياسياً واقتصادياً، وتوزيع الخسائر بشكل عادل لا يناسب هؤلاء أيضاً، وهيكلة القطاع العام تقوّض زبائنيات معينة في المصالح والمنافع، فضلاً عن أنّ الإصلاح الضريبي يرفع نسبة الاقتطاع من أرباح أصحاب الرساميل والعوائد المرتفعة المتحالفين مع السلطة. أما هيكلة المصارف فلا تناسب الحلف السياسي المصرفي وكبار المودعين، وهناك رفض و/أو مماطلة في إصلاح كهرباء لبنان ومصرف لبنان ومؤسسات أخرى كانت بين أبرز أسباب الأزمة بفسادها وسوء إدارتها».
وتشير المصادر إلى أنّ «مسعى تغيير ارنستو راميريز جدي، علماً أنه صار محبطاً من الملف اللبناني، وقد يتخلى عنه الى عمل آخر لعلمه أنّ الإتفاق لم يعد موجوداً عملياً، رغم وجوده نظرياً، وأنّ أمل إحيائه ضئيل جداً، إذا بقيت أعناق الاختناق نفسها، وإذا أمعن المسؤولون اللبنانيون في إنكار حقيقة الخسائر، وبالغوا أكثر في أوهام استخدام أصول الدولة وإيراداتها لإطفاء خسائر الودائع (تزيد على 70 مليار دولار) كما يدّعون، علماً أنّ نصف الودائع بالليرة والدولار ذاب منذ بداية الأزمة، لينخفض الاجمالي من 176 مليار دولار الى نحو 90 ملياراً في موازاة شعارات فارغة مثل قدسية الودائع».